بعد الغداء يجتمع مع رفاقه في غرفة الجلوس، يدرس وينجز فروضه المدرسية. كان هذا الوقت خاضعاً للنظام أيضاً، فإذا أراد دخول الحمام أو شرب الماء عليه أن يطلب إذناً من المشرف، وإلّا سيأتي العقاب لا محالة. أثّرت هذه القوانين الصارمة على حالة محمّد النفسية وانعكست مزيجاً من التعب والإرهاق يرافقه طوال اليوم.
في السابعة مساءً كان يمضي وأصدقاءَه إلى صالة الطعام لتناول العشاء الذي لا يزيد عن حصّة واحدةٍ لكلّ واحدٍ فيهم. يقول محمد إن المشرفين الكبار ربما لم يكونوا على علم بكلّ ما كان يُفرض على التلامذة، لكن ذلك لم يخفف من تعبه وحنقه، بل أن هذه القواعد الجائرة ستجعله لاحقاً يتّخذ قراراً سيغيّر مجرى حياته.
بعد العشاء كان يسمح للتلامذة بالخروج حتّى الساعة التاسعة فقط، ليعودوا بعدها إلى النوم. لكن محمداً لم يكن من التلامذة الذين يلتزمون بالوقت، فكان يهرب خلسة ليخرج مع أصدقائه للتنزه في الضواحي القريبة. وعند عودته بعد منتصف الليل، كان ينجح في التسلّل خلسةً أحياناً، ويضطر في أحيانٍ أخرى لأن يتشاجر مع الحارس ليسمح له بالدخول.
كان يرتمي على سريره الحديدي، الأشبه بأسرّة السجن، فور دخوله إلى الغرفة. يضع السماعات في أذنيه، ويشغّل أغنياته المفضّلة لينسى ما مرّ به من أحزانٍ وآلام. ←
