فصول الهجرة عن المخيّم

عن عائلة فلسطينية تشبه مئات العائلات في مخيّمات لبنان، ينفرط عنقود أبنائها في طرق الهجرة الوعرة غرباً… سفرٌ ومجهولٌ ورحلة الأفق المتاح الأخير.

كتابة: إياد تيسير

لم يُعر والدي اهتماماً لحديثي، فقد اعتبره “كلام ولاد” لا يؤخذ به. بينما وقفت والدتي في زاوية الغرفة، تفرك يديها بتوتّرٍ خوفاً من رّدة فعل أبي. لاحظ والدي ذلك، فعقد حاجبيه. أطفأ سيجارته، ثمّ قام عن الأريكة، واعتدل في جلسته. حدّق في وجهي لحظة قبل أن يسألني بنبرةٍ حازمة:
أحمد، عنجد بدك تترك المدرسة؟
كانت هذه المرة الأولى التي أواجه فيها والدي في محادثة جديّة. لم تثر علامات الغضب التي بدأت بالظهور على وجهه خوفي، بل زادتني إصراراً وجرأة، فأجبته:
آه بدي إترك المدرسة، وبدي أروح عند علي على ألمانيا. بشو رح تفيدني المدرسة يعني؟
تفاجأ والدي من ثباتي، وأنا شعرت لوهلة بأنّني قد صرت رجلاً راشداً يملك قراره. لاحقاً، حاول والدي أن يثنيني عن قراري، باللين حيناً، وبالشدّة أحياناً، لكن هدفاً واحداً كان يلوح أمام عينيّ:
الذهاب إلى عليّ.

الفصل الأول

خلال عودتي من المدرسة ظهرَ يومٍ خريفي، رأيت سيّارة عليّ مركونة أمام المنزل. أثار ذلك حيرتي، إذ لا يعود عليّ عادةً من عمله في شركة تصليح السيارات إلّا مع مغيب الشمس. دخلت إلى المنزل بخطىً خفيفةٍ فضولية. وضعت حقيبتي المدرسية جانباً. ثمّ استرقت النظر إلى غرفة الجلوس. هناك، رأيت عليّاً يجلس مهموماً، بينما تحاول والدتي أن تهوّن عليه:
طول بالك يمّا، بكرا بتلاقي شغل أحسن.
كان عليّ مكتّف اليدين، وبدت ملامح وجهه كما لو أنّها تمّحي من شدة القهر.
قبل ذلك اليوم كان عليّ شاباً مفعماً بالحياة، ويحب عمله كثيراً. ترك المدرسة في سنٍّ مبكرة، وبدأ بتعلّم مهنة ميكانيك السيارات في المخيم. لطالما كان معلّمه يثني عليه أمام والدي ويقول له: “ابنك عقله نضيف”. تعلم عليّ أساسيات المهنة بسرعة وصار معلّماً صغيراً. وبعد مدّة جاء إلى المنزل يحمل صدر كنافة، حلواناً واحتفاءاً بإنزاله لمحرك سيارة لوحده. كانت فرحته كبيرة، كمن تخرّج لتوّه من الجامعة.

مع مرور الوقت ذاع صيت عليٍّ في المخيم، ومن ثمّ وجد عملاً في مدينة صور كموظّفٍ في شركة لبنانية لميكانيك السيّارات. أكّد نجاح عليّ في الانضمام إلى تلك الشركة المحترفة استحقاقه لقب “معلّم الكار”، قبل أن يتخطّى عامه العشرين. لكن، ولأنّ عليّ فلسطيني، فقد كان عليه أن يعمل من دون أن يُسجّل رسميا في الشركة، وبالتالي كان موظّفاً بلا حقوق وبلا أيّ نوعٍ من الضمان الصحي، ويسهل على الشركة فصله في أيّ وقتٍ من دون أيّ تعويض. كان الحصول على هذه “الامتيازات” يتطلب امتلاك إجازة عمل من الصعب للفلسطينيين تحصيلها. لذا، وكحال آلاف العمال الفلسطينيين في الأشغال المختلفة، لم يكن أمام عليّ سوى الموافقة على العمل بهذه الشروط الجائرة، فهو يظلّ على الرغم من ذلك فرصة ذهبية قد لا تتكرّر.
بدأ علي يداوم في وظيفته الجديدة. تحسّن دخله واشترى سيارةً صغيرة. بدأ يفكّر بالزواج وببناء منزل. على الرغم من أنّه كان يعود من عمله متأخّراً ويخرج إليه مع طلوع الشمس، إلّا أن الحياة بدت مبتسّمةً في وجهه. كان عليّ ممتلئاً بالحب، بعيداً عن التذمّر، يحفّز مَن حوله، ويبث طاقته الإيجابية الحيوية في أرجاء البيت. إلى أن جاء اليوم الذي رأيته فيه مع أمي في الصالون .
كانت الشركة التي يعمل فيها تعاني من أزمّة مالية، ولم تجد حلّاً لتخفيض النفقات سوى صرف عددٍ من الموظفّين، على رأسهم عليّ، الذي لن يكلّف طرده شيئاً إذ أنّه موظّف غيرُ مصرّحٍ عنه.
زاد شعوره بتعرّضه للتمييز والاستغلال من قهره، فهو طرد على الرغم من جودة عمله، وبقي زملاؤه اللبنانيين في وظائفهم لأنّ القانون يحميهم من الشركة.
انتكس عليّ وبدت التعاسة على وجهه، بعد أن كان شُعلةً من النشاط والطاقة، فقد تركت هذه الحادثة أثراً كبيراً في نفسه، وانعكس ذلك في شحوب وجهه البشوش. كان عليه، هو الممتلئ بالطاقة والنشاط، أن يعتاد على حياة البطالة والفراغ، فلم ينجح. وجد نفسه يبحث عن هدفٍ جديد وطوق نجاةٍ من جحيم الخمول، حتّى جاء اليوم الذي أعلمنا فيه بحلمه الجديد: “بدي أهاجر”.
كان لكلمات عليّ وقع الصاعقة على نفوسنا، وخصوصاً على والدتي. بدت رغبته بالسفر، إعلاناً مبكراً بأنّنا جميعاً لن نقوى على مواجهة ظروف الحياة الصعبة في لبنان، وكان ذلك سبب المعارضة الشديدة من أبي وأمي. كانا يعرفان تمام المعرفة أنّ هجرة عليٍّ الآن، تعني هجرتنا كلّنا في المستقبل.
بعد أحاديث طويلة ومفاوضات عسيرة، اتفق والديّ مع عليّ على أن يسعى في اتّجاهين: البحث عن عمل وفي الوقت نفسه البحث عن طريق آمنٍ للهجرة. وفي حال وصوله لنتيجةٍ في أيٍّ منهما، عليه أن يكملها ويسلك بها .
على امتداد شهرٍ تقريباً، وجد عليّ عشرات الطرق للهجرة والتهريب إلى أوروبا، ولم يجد في المقابل فرصة عملٍ واحدة. لم يحتج عليّ أن يشرح لوالديّ أي مسارٍ سيأخذ، فالوصول إلى أوروبا عبر طرق التهريب، وبالرغم من صعوبتها، أسهل لفلسطينيٍّ من الحصول على عملٍ في لبنان.
منذ تلك اللحظة، سيطر على المنزل نقاش جديد حول الطريق الذي سيسلكه علي في رحلته. لم يعد منزلنا كما كان، فسيطر عليه جوٌّ مشحونٌ وصار سكانه خائفين من ساعة الفراق. كنت أنظر إلى عليٍّ طويلاً، فتخيفني فكرةُ ألّا أراه مرة أخرى. ومن يعلم في حال كُتب له الوصول إلى بلاد الحلم الأوروبي كم من السنين ستمر قبل أن أراه مجدّداً؟
وفجأةً لمعت الفكرة في رأسي: لماذا لا أذهب أنا إليه؟
أخبر عليّ والدي بأنّه وجد طريقاً يمكن له سلوكه مع أحد أصدقائه: يذهبان إلى تركيا أولاً، ومن هناك يعبران البحر إلى اليونان، ومن أحد مطاراتها يركبان طائرة إلى أوروبا.

غضب والداي بشدّة، وبدأت أمي بالصراخ. رفض الاثنان الفكرة بشكلٍ قاطع بسبب خطورة الطريق. كان شتاء عام 2015 قاسياً، تطرق حبّات المطر زجاج الشبابيك فيخيّل إليك أنّها ستكسرها. في طقسٍ كهذا، لم تستطع أمّي منع نفسها من تخيّل ابنها وحيداً في عرض البحر، فتكاد تصاب بالجنون وتبدأ بالصراخ على عليّ باكيةً:
لأ يعني لأ. والله بغضب عليك إذا طلعت بهالطريق.
لم يستطع علي تحمل صوت والدتي المخنوق وحزنها لوقت طويل. اقترب منها بعيونٍ شديدة الحمرة من دون أثرٍ للدموع، كأن جسده كلّه يبكي. ضمّها إليه، وبدا واضحاً أنّ حاجته للعناق تفوق حاجتها، وقال:
خلص يمّا، رح أشوف طريق تاني.
مرّ شهر على تلك الحادثة، كنّا خلاله نجلس منتظرين، في ما يشبه الهدنة، اليوم الذي سيجد فيه عليّ طريقاً أكثر أماناً. صار عليّ في تلك الفترة أشبه بالغريب أو السجين، ينتظر انقضاء محكوميته ليمضي في حال سبيله. وهذا ما حدث فعلاً.
في واحدة من ليالي شباط غزيرة المطر، عاد عليّ باكراً إلى المنزل، وعلى وجهه ترتسم أمارات البهجة. كان قد مرّ وقتٌ طويلٌ لم أرَ فيه ابتسامةً ترتسم على وجه عليّ. أنا وأمّي وشقيقاي سامي وفراس تمنّينا في سرّنا أن يكون سبب ابتسامته إيجاده لعمل.. تساءلنا بصوتٍ عالٍ فيما بيننا: كنّو علي لقى شغل؟
لكنّنا كنا نعلم في قرارة أنفسنا أن ابتسامة عليّ تلك وبارقة الأمل في وجهه ما هي إلّا علامةُ إيجاده لطريق هجرةٍ جديد.
انتظر عليّ عودةَ والدي. جلسنا وإخوتي كالمشاهدين في زاوية الغرفة، ننتظر ما سيجري في المشهد القادم ونتساءل: كم دمعة ستنهمر هذه المرّة؟
عاد أبو علي، ليجَدَنا مجتمعين وعلى أهبة الاستعداد، فأحس بما ينتظره وسأل: “خير، شو في؟”.
أجاب عليّ بشيءٍ من اللهفة والإصرار:
“لقيت طريق جديد، بكلّف سبع آلاف دولار. من هون للبرازيل، نقعد كم يوم وبعدين نطلع ع أوروبا. هاد طريق آمن ومنيح. ما حدا يقلي لا”.
حدث ما توقعناه. تغيّرت ملامح أبي، وجلست أمّي بلا كلام. رمى والدي كتلة مفاتيحه الحديدية على الطاولة. جلس على الكنبة وبدأ بخلع حذائه، وقال: “طيب خلينا نتعشى بالأول وبنحكي؟”.
كان واضحاً لعليّ أنّ هذه محاولة أخرى من أبي لكسب الوقت، إلّا أنّه رضخ لطلبه. كان الجوّ على طاولة العشاء الذي حضّرته أمي كئيباً. كنّا نمضغ الطعام ببرودة دونَ كلام، وأحسسنا بثقل الصمت في الهواء. بعد العشاء، افتتح والدي الحديث وأبدى معارضته للفكرة، واندفعت أمّي في تأييده. كانا يأملان بأنّ فترة الهدنة خفّفت من تشبّث أخي بقراره، لكنّه ازداد إصراراً، فوقف غاضباً وقال: “أنا بدي أسافر. ما بقى فيني إتحمل أكتر! افهموني!”.
مع ذلك، قرّر والدي الضغط على عليّ لحثّه على التراجع، فرفض مساعدته في تأمين المبلغ اللازم للرحلة، وبدأت أمي بتقديم عروض الزواج له عسى ذلك يثنيه عن قراره. غير أن ذلك لم يشتّت من تركيز عليّ عن هدفه، وزاد من تصميمه على تحقيق مبتغاه.
لم يكن مبلغ الخمسة آلاف دولار الذي يملكه عليّ كافياً لتمويل رحلته، لذلك قام ببيع معدات الميكانيك خاصته وكذلك سيارته. كان فراق السيارة التي أحبّها واهتمّ بها صعباً عليه، لذا احتفظ بميدالية لفريق برشلونة كانت معلّقةً فيها، ووضعها فوق سريره. هكذا استطاع بمفرده تأمين المبلغ المطلوب، مع اقتراب آوان الرحيل.
جاء اليوم الذي كنّا نخشاه، وممّا زاد في ألمنا أنّ عليّاً طلب منّا عدم مرافقته إلى المطار بناءً على رغبة المهرّب. كان شقيقي يشغل نفسه طيلة يوم السفر، متجنّباً أن تلتقي عيناه بأعيننا. أعدّت له أمي أكلة المقلوبة التي يحبّها، لكنّه تناولها بلا شهيّة، وأكمل صحنه مجاملةً.. شحب وجه أمي، فيما جلس والدي على الشرفة يشرب القهوة ويدخّن سيجارة تلوّ الأخرى.
حان موعد الذهاب إلى المطار. حمّل علي حقائبه في السيارة، وعاد ليعانقنا وليودّعنا الوداع الأخير. على الرغم من استعدادنا لهذه اللحظة، إلّا أنّ ذلك لم يخفّف من ألمنا. عندما ضمني عليّ إليه، شعرت بجرح ينشقّ في صدري، بينما هو يحاول أن يُظهر الصبر والتجلّد بالمزاح والضحك. ثمّ صاح في وجوهنا، أنا وسامي وفراس، قائلاً: “خليكو رجال!”.
خرج إلى والدي المعتكفِ في الشرفة، الجالسِ من دون حركة على الكرسي البلاستيكي، فيما التجاعيد تنتشر في وجهه.. انحنى عليّ باتجاهه وقبّل يده. لم ينظر والدي إليه، بل كان يتهرّب منه ويتجنّبه. وقف عليّ وقبلّ رأسه فشقّت دمعة وحيدةٌ طريقها نزولاً على وجنة والدي. في تلك اللحظة قام الرجل من مقعده وعانق عليّاً كما لم يعانقه من قبل. كانت تلك المرّة الأولى التي أرى فيها والدي القاسي والحازم يبكي على كتف ابنه المهاجر. انهمرت دموعه بغزارة وخرج الصوت من فمه مرتجفاً: “الله يرضى عليك”.

كانت والدتي تراقبهما بصمت. ترك عليٌّ والدي واقترب منها. عانقها ثمّ انفجر بالبكاء، بدا كما لو أنّه يبكي عن كلّ الأيام الماضية: عن طرده من العمل، وعن اضطراره للهجرة، وعن فراق المخيم، وعن الشوق القادم إلينا.
نادى سائق التاكسي عليّاً، فمسح أخي دموعه، قبّل وجه أمّي ومضى.
ركضنا إلى الشرفة لنودع السيارة، إلّا والدي الذي عاد لجلسته الأولى متجنباً رؤية ابنه البكر مغادراً بيت العائلة.
في ليلتنا الأولى من دون عليّ، أحسسنا بتداعي جدران البيت من حولنا. لطالما كنت أمازحه وأخبره بأنني سأحتل تخته عندما يسافر. لكنّني عندما دخلت الغرفة، ورأيت قلادة برشلونة تتأرجّح وحيدةً فوق السرير الفارغ، لم أجرؤ أن أجلس على السرير، ولا حتّى على ملامسته. شعرت في تلك اللحظة أنّ هذا الحزن كبيرٌ جدّاً على قلبيّ الصغير، وإن لم يكن بمقدار حزن أبي وأمي.
وصل عليّ إلى البرازيل. كان اتصالنا الأوّل به مبشراً. أخبرنا بأنه سيمكث هناك أياماً قليلةً، ينطلق بعدها إلى ألمانيا. طمأننا كلامه، وأشعل في مخيّلتي حلم الهجرة أكثر.
مرّت عدة أيام من دون أن يطرأ جديدٌ على وضع علي، وبدأت مشكلة كبيرة بالظهور، إذ كان عليّ، لا المهرّب، مسؤولاً عن كلفة إقامته. أحسّ شقيقي أنّ النقود تتسرب من بين يديه.
تواصل عليّ مع المهرب عدّة مرات. طالبه الرجل بالصبر وكثرت وعوده، لكن بعد أن مر شهرٌ على وصولهم إلى البرازيل تأزّمت الأمور. سيطر علينا الخوف من أن يكون المهرب نصاباً، وقلقنا على مصير عليّ. عاش أبي تلك المرحلة على الدخان والقهوة، ونادراً ما رأيته يأكل. حتّى طبخ أمي لم يعد لذيذاً كالسابق، وبدا كما لو أنّه فقد طعمه.
بعد طول نقاش وجدال، أخبر المهربُ عليّاً بأنّه لن يستطيع إيصالهم الآن إلى أوروبا, وبأنّ عليهم الانتظار حتّى الصيف، أيّ أكثر من ثلاثة أشهر.
شعر علي بإحباط شديد، ووجد نفسّه مضطراً للرضوخ إلى كلمات أمّي المتلهفة: “إرجع يمّا، يلعن أبو السفر، إرجع”. لم يكن يملك خياراً أفضل من العودة في ظل تكاليف الحياة المرتفعة، خصوصاً أنّ ما مِن أحد يضمن صدق المهرب في وعد الأشهر الثلاثة.
وفعلاً، عاد علي.
عندما استقبلناه في المطار، سادت وجهه ملامح الخيبة والهزيمة، وزاد فيها شعره الذي صار طويلاً، والتعب البادي في حركته.
انقضت أيامٌ قليلة قبل أن يعاود علي فتح موضوع السفر مجدداً. غضبت أمي، ولامه أبي، إلّا أنه ظلّ مصرّاً على موقفه. على الرغم من قدوم الربيع وظهور الأزهار في أنحاء المخيم، كان عليّ يشعر بأن هذه البلاد تخنقه.

ومع مجيء الصيف بدأ الفراغ ينهشه من الداخل. مرّت شهور على عودته من البرازيل من دون أن يفعل شيئاً. صار كثير النوم في النهار وكثير السهر في الليل، وبدا له أن حياته لا قيمة لها. لم تتحمّل والدتي أن ترى ابنها الشاب النشيط يذبل أمام عينيها، فقررت أن تبادر لمساعدته وطلبت منه أن يبحث عن طريقٍ آخر للهجرة. وجاء جوابه جاهزاً: “لست بحاجةٍ للبحث. طريق اليونان ينتظرني”.
كانت أمي تتوقّع هذه الإجابة، لكن القبول بها كان صعباً. لم أذكر أنّ أمي قلقت كما قلقت في تلك الفترة، إلّا أنّها انصاعت ووالدي أخيرا لقرار أخي.
لم يتأخر علي. في اليوم التالي انطلق مباشرةً إلى السفارة التركية لتقديم طلبٍ للحصول على تأشيرة، وبعد أيّامٍ قليلة جاءته الموافقة. خسر علي في محاولته الأولى أكثر من نصف ماله، ولم يبقَ معه سوى ثلاثة آلاف دولار. لذلك، باعت أمّي بعض أساورها وخاتم زواجها، واستدان والدي فوقها، حتى أكملا له المبلغ المطلوب.
تصرّف علي بسرعةٍ هذه المرّة كما لو أنّه خبير. لم يوضّب سوى الضروري من الثياب ليقلّل من الحقائب.. وعندما اشترى سترة نجاة للبحر، اتّسعت عينا أمي وشهقت بحزن، لكنها ابتلعت غصّتها ولم تتكلم.
تجنّب أخي مرارة الوداع التي ذاقها في المرّة الماضية، فرحل على عجلٍ من دون عناقات وقُبل، حتّى لا تواكبه الدموع.
وصل مع رفيقه إلى تركيا، ومضيا باتّجاه السواحل المطلّة على اليونان. عاش بيتنا في تلك الفترة أياماً عصيبة، وبدا الخوف والقلق واضحين في وجوهنا. وجد علي طريقاً إلى اليونان عبر البحر. صعد إلى “البلم” مع عددٍ من الأطفال والنساء، بعضهن حوامل، وبعضهن الآخر كبير في السن.. شجّعه ذلك وأخافه في الوقت نفسه. انطلق القارب المطاطي الصغير، وشق طريقه في البحر. كان علي قد طمأن والدتي مسبقاً بأنّ الطريق قصيرة، وبأنّه ما مِن داعٍ للخوف، فنحن أبناء بحرٍ تعلّمنا في مخيمنا الذي بُني على الشاطئ مهارة السباحة.
لكن كلّ ذلك طار من ذهن عليّ في البحر. بدأ الموج يتلاعب بهم، وارتفعت أصوات البكاء والأنين وأدعيةِ النجاة. كان الطريق أطول ممّا تخيّل، وعرف لأوّل مرّةٍ أن السراب ليس خدعة مقتصرة على الصحراء.. ظلّ يرى طويلاً سواحل اليونان تلوح في الأفق من دون أن يصلوا إليها، كأن الموج كان يدفعهم إلى الوراء. وفوق ذلك كان الخوف من أن يقبض عليهم خفر السواحل لا يقلّ خطورةً عن الغرق، لأنّه عند ذلك سيعيدهم من حيث أتوا.

يقفز “البلم” فوق الأمواج، فيبكي الأطفال من الرعب. يتذكر عليّ يوم طرده من العمل، ويتألّم. يقفز “البلم” مرّة أخرى فيحس بالموت يقترب منهم. وعندما يقفز للمرّة الثالثة، تحضره دمعة والدي وقهر أمي.

يقفز “البلم” فوق الأمواج، فيبكي الأطفال من الرعب. يتذكر عليّ يوم طرده من العمل، ويتألّم. يقفز “البلم” مرّة أخرى فيحس بالموت يقترب منهم. وعندما يقفز للمرّة الثالثة، تحضره دمعة والدي وقهر أمي.

وفجأة، رسا المركب بسلام، واختفى الخوف ومعه الهلاوس والأفكار. أخيراً انتهت الرحلة على خير. ومن على سواحل الجزر اليونانية، أرسل عليّ لنا تسجيلاً صوتيّاً يبشّرنا بوصوله بالسلامة. لم أفرح كما فرحت في ذلك اليوم، وشعرت أنّ همّاً كبيراً قد انزاح عن صدري.. وفي غمرة ذلك، لمحت أمي تبتسم ابتسامةً كبيرة، ابتسامة نجاة.
انطلق علي إلى المكان المتّفق عليه مع المهرب الجديد، الذي يفترض أن يساعده في الوصول إلى أوروبا. وصل إلى غرفة وسط غابة. لم يفهم ما الذي يجري، كان خائفاً ومتوجّساً. دخل إلى الغرفة فاستقبله المهرب الضخم، بكرشٍ كبيرٍ وعين واحدة، كما لو أنّه قرصان. أقفل المهرب الباب، وسحب السلاح في وجه علي، ووضع يده الثخينة المدورة على كتفه. استولى على هاتفه المحمول، وتركه محبوساً في الغرفة. كان عليّ مصدوماً، غير قادرٍ على أن يفهم سبب حدوث ذلك، يسأل نفسه “ماذا يحصل؟ ولماذا اختطفني أنا؟”.
انقضى يومٌ أوّل بدون أخبارٍ جديدةٍ عن علي. بدأ التوتر يتسرّب إلى المنزل من جديد. كنا نتخيل سيناريوهات سيئة، لكن أحداً منّا لم يجرؤ على الإفصاح بها. عندما عاد أبي من عمله مساءً، سألته أمّي على عجل: “شو صار مع علي؟”. فأجابها مستغرباً: “كنت مفكر الأخبار عندكم؟ علي ما حكاني من مبارح”.
في تلك اللحظة انقطع خيط الأمل الأخير: ماذا حدث مع علي؟ ما هو مصيره؟ أين هو؟
انقضت ثلاثة أيام من دون خبرٍ عنه. لم تعدْ والدتي تقوى على الوقوف. أما والدي فبدا كما لو أنّه يأكل الدخان أكلاً من شدّة التوتر.

كانت العائلة كلّها تسأل عنه، أقارب أمّي وأقارب أبي، يقلّبون الاحتمالات البشعة في رؤوسهم بلا كلام.
مرت تلك الأيام الثلاثة علينا كثلاث سنين، لا يوقظنا في الصباح سوى الأمل بأن يرنّ الهاتف ونسمع صوت عليّ.
تقضي والدتي يومها بالندب وذمّ السفر، ووالدي يستمع بصمتٍ. أما أنا فكنت أخاف أن أفتح “فايسبوك” وأرى صورته في عداد من غرقوا في البحر أو من قتلوا على يد عصابات التهريب. بدت وجوهنا، والداي وشقيقاي وأنا، صفراء باهتة كتربةٍ صحراوية.
وفي صباح اليوم الرابع رنّ هاتف أبي الذي جافاه النوم. استيقظت على الصوت، فوجدت أبي يضع السماعة على أذنه وأمّي تقف قربه خائفةً من الكلام. صاح والدي بصوتٍ مرتفع: “علي ع الخط، علي ع الخط..”.

تجمعنا كلّنا فوق رأس أبي نستمع للمكالمة، كأنّنا نسمع صوت علي لأوّل مرة، كأنّه رضيعٌ ولد للتو. طمأننا علي بأنّه حيّ، لكنّه مختطف.
طلب الخاطف من والدي مبلغ ثلاثة آلاف دولار ليحرّر أخي، وإلّا سيقتله. سببُ فعله ذلك خلافٌ بين المهرب الذي جاء بعليّ إلى اليونان والخاطف، أيّ أنّ أخي بات رهينة، وعليه دفع ثمن تسوية خلافٍ لا علاقة له به، وإلّا ستكون روحه هي الثمن. على الرغم من أنّه حاول طمأنتنا إلّا أنّه لم يستطع إخفاء ارتجاف صوته.
انطلق والدي ليجمع المبلغ من أعمامي وأخوالي. باعت والدتي ما لديها من ذهب، وحتى أنا بعت الـ”بلايستايشن” بمقابل زهيد، رغم ممانعة والدي. لكنني أردت أن أساهم في استعادة شقيقي.
قمنا بتأمين المبلغ وأرسلناه. كنا خائفين أن ينكث الخاطف بالاتفاق، إذ لا يوجد ما يضمن صدقه. كنا خائفين أن يقتله، أو أن يبتزّنا، ويطلب مبلغاً آخر. لكنّنا عدنا وسمعنا صوت عليّ مرة أخرى. هذه المرة كان يحدّثنا من أثينا، حرّاً طليقاً، وسيء الحظ.
طلبت منه والدتي أن يعود على الفور. وافق في البداية، وبدأ يحضّر لذلك، لكنّه عاد واتّصل بعد يومين فصرخت أمي عليه: “ما بدك تخلصنا من هالقصة يا علي!؟ مشان الله، ما ضلّ عنّا دم من الخوف”. أخبر علي والدتي بأنّ هناك كثراً يعيشون في حالة أسوأ من حالته بما لا يُقاس، وهو لحسن حظه قد نجى.
أقنع عليّ والدي بأنّه وجد طريقاً إلى ألمانيا باستعمال جواز سفرٍ مزوّر. كلّ ما عليه فعله حجز النقود في مكتب تأمين. في حال نجاحه بالعبور يأخذ المهرّب المبلغ، وفي حال لم يُوفّق تبقى النقود في المكتب.
اضطر والدي لسحب قرض مالي واستدان مرة أخرى من معارفه وأرسل له ما يحتاجه.
أبهرني إصرار علي، وتعلمت منه، هو الذي بقي محافظاً على الأمل رغم كلّ العقبات التي واجهها.
أودع عليّ النقود في مكتب التأمين، وذهب إلى المطار بجواز السفر المزوّر. لكنّ النجاح لم يُكتب له هذه المرة. ألقى أمن المطار القبض عليه، ووقّع تعهّداً بعدم تكرار فعلته، ثم أُطلق سراحه..
لم تكن هذه التجربة قاسيةً قياساً لما مرّ به، إذ خلت من الأخطار، ونقوده ما زالت في مأمن.
صمّم عليّ على تكرار المحاولة، وشجّعه على ذلك قول رجل أمنٍ يونانيٍ له بعد توقيفه “try again”. كان لذلك وقع السحر على نفسه.
بعد أيام قليلة، ومن دون أن يبلغنا، حاول عليّ المرور مرّة أخرى، ونجح في ذلك. عندما أقلعت الطائرة أحسّ عليّ أنّه سيصل إلى الجنّة. وأخيراً سينجح في الوصول إلى أوروبا. بعد ساعات اتصل بنّا وأبلغنا أنّه وصل. أراد أن يفاجئنا وفعل. ردّ على تحيّة أمّي ببرود وقال: “يمّا، أنا صرت بألمانيا”. لم تصدّق أمّي ما سمعته، وأطلقت العنان للزغردة.
وازت فرحتها في ذلك اليوم فرحتها يوم ولادته.
اليوم، مضت أكثر من خمس سنوات على وصول علي إلى ألمانيا. عانى خلالها كثيراً للاندماج، ولاستحصال أوراق الإقامة. لم تكن أوروبا الجنّة التي تخيّلها، لكنّها على الأقل احتوت الأمان والمساواة، وهذا ما بحث عنه علي، وما أبحث عنه أنا أيضاً.

الفصل الثاني

يعطس فراس ثلاث عطسات متتالية، ثم يسأل محتجّاً وقد احمرّت عيناه: “لك شو هالريحة هاي!”.
فأجيبه أنا بشيءٍ من المكر:
“يعني معقول بعدك ما تعودت على عطر سامي”.
في كلّ مرّة يذهب فيها شقيقي سامي للقاء حبيبته سلمى، يتحمّم بالعطر ويلبس أجمل ثيابه.
تعرّفا إلى بعضهما البعض أثناء دراسته في معهد سبلين الجامعي. أحبّ سامي الدراسة وودّ أن يتابع تحصيله الأكاديمي. لكن، وبسبب الديون التي تراكمت علينا جرّاء سفر علي، لم يستطع سامي الدخول للجامعة، وكان عليه القبول بالذهاب إلى المعهد.
لم يحبط ذلك سامي، فقد كان سعيداً بدراسة هندسة الديكور ويحب الرسم والفن. ومع تعرّفه إلى سلمى اكتملت السعادة في قلبه.
سمعته يقول لها على الهاتف مرّة:
“الحمدلله إنو ما دخلت جامعة، لأنّه ما كنت تعرفت عليكِ”.
كان راضياً بحياته، وكانت والدتي مطمئنة بأنّه لن يسافر، فهو يحمل شهادة ولديه حبيبة في هذه البلاد.
لكن، وبينما كانت أمّي تلمّع إطاراً فيه صورة لسامي يوم تخرّجه، انتبهتُ إلى أنّه قد مضى على ذلك اليوم خمسة أشهر من دون أن يجد شقيقي عملاً. وها هو حاله ينقلب كحال عليّ قبل سفره، كأنّ إحباط الناس كلهم مجتمعٌ في وجهه.

صار سامي يقضي معظم وقته في الفراش. ينام نهاراً، ويستيقظ ليلاً. لا الأحلام تحققت، ولا الطموحات أنجزت، وكلّ تلك المشاريع التي رسمها في مخيلته خلال دراسته اضمحلّت بالتدريج.

صار سامي يقضي معظم وقته في الفراش. ينام نهاراً، ويستيقظ ليلاً. لا الأحلام تحققت، ولا الطموحات أنجزت، وكلّ تلك المشاريع التي رسمها في مخيلته خلال دراسته اضمحلّت بالتدريج.

خسر سامي أحلامه، بدءاً من إكمال دراسته في الجامعة بعد المعهد، وصولاً إلى مشاريع الهندسة الداخلية الكثيرة التي كان يخطط لإنجازها. لم يبقَ سوى مشروع الارتباط الرسمي بسلمى، لكن كيف يطلبها من أهلها وهو لا يملك عملاً ولا منزلاً!
حاول إيجاد عملٍ مراراً بلا جدوى. ظنّ بأنّ شهادته العلمية ستنقذه من تجربة عليٍّ المريرة، لكن اللاجئ، متعلماً كان أم غير متعلم، مصيره واحدٌ في هذه البلاد.
لم يكن لديه ما يفعله، سوى تطبيق ما تعلّمه من الهندسة داخل المنزل، حيث رسم على الجدران وصمّم ديكورات جديدة بالجفصين، يسلّيه في أثناء ذلك العصفور الذي اقتناه. سبّب ذلك نزاعاتٍ دائمةً بينه وبين والدي الذي أزعجه صوت العصفور وكرهه، ورفض سامي التخلّي عنه رغم محاولة أبي الدائمة لبيعه.
– “ليش ما بتنزل معي ع الورشة!”.
كان سامي مستلقياً على سريره وضوء هاتفه يغطّي وجهه عندما اقترح عليه أخي فراس أن يعمل معه في ورشة طلاء البيوت. جرحه هذا الاقتراح، فهو لم يتعلم ويدرس كل تلك المدة لكي يكون عاملاً في مجال طلاء البيوت.
لم يعلّق سامي على الموضوع. ظلّ ساكتاً، لكنّ سكوته كان علامةً للرفض لا الرضا. ظلّ متعلّقاً ببصيص أمل، ويحلم بأن يثبت صحّة قراره أمام ذاته وأمام العائلة وأمام الناس جميعهم، وبأن يبرهن أنّه ليس كفراس الذي ترك المدرسة في الصف السابع.
لكنّه هُزم بعد فترة كما هُزم الكثيرون من قبله. رضخ أخيراً للواقع، ونزل إلى ورشة الطلاء كأيّ عامل عادي.
قبل سامي بالعمل في الورشة، علّ ذلك يساعده في خطبة سلمى وفي إيجاد منفذٍ إلى العمل في اختصاصه. كان يسعى لتجميل عمله في قلبه.
عندما رأيت سامي بثياب العمل المغبرّة ورائحة الطلاء تفوح منه بعد أن كانت رائحة عطره تفوح في كلّ مكان، قرّرت أنّني لن أصبر حتّى أخوض في النهاية تجربةً فاشلةً جرّبها علي وسامي من قبلي. عزمت على ترك المدرسة، وعلى استثمار الوقت في مصلحة تفيدني عندما أسافر إلى ألمانيا، بدلاً من خسارة الوقت على مقاعد الدراسة، كما حصل للكثيرين غيري.
في أحد الأيام، وبمجرد وصولي من المدرسة، رميت حقيبتي جانباً وأعلنت قراري أمام أمّي. لم تأخذ أمّي قراري على محمل الجد. لذلك بدأتُ بتمزيق الكتب أمامها لأبرهن لها جديّة قراري.

جنّ جنونها من فعلتي، وبدأت تحاول معرفة إذا ما كان هناك سبباً مباشراً لذلك، كأن أكون قد تشاجرت مع الطلاب أو مع أحد المعلمين. نفيت ذلك تماماً، وقلت لها: “بدي إتعلم حلاقة وأسافر عند علي. ما بدي يصير فيني متل سامي”.
وفي المساء، أبلغت والدي عند عودته من العمل بقراري، إلّا أنّه لم يأخذني على محمل الجد سوى بعد إصراري على موقفي. راهن وأمي على أن يغيّر الوقت رأيي، وعلى أنّ قراري هذا ما هو إلّا قرار مراهق متعجّل سيذهب مفعوله سريعاً. لكن، وكما خسرا رهانهما على الوقت بأن يثبط عزيمة علي عن السفر، فقد خسرا معي أيضا.
في صباح اليوم التالي، حاولت أمي إيقاظي عدّة مرّات للذهاب إلى المدرسة، لكنني رفضت. قرّرت سريعاً ألّا أجلس في المنزل كثيراً، لكيّ لا أترك للفراغ منفذاً إلى نفسي، ولأتجنّب محاولات والديَ المتكررة لثنيي عن قراري. بدأت بالبحث عن عملٍ في صالون حلاقة، وعندما وجدت فرصة كانت فرحتي كبيرةً جداً، كما لو أنّ حلمي بدأ يتحقّق.
في مخيمنا، لا يستغرب الناس إن كنت طفلاً عاملاً بدل أن تكون تلميذاً يكمل تعليمه في المدرسة. غالباً يكون من يفعل ذلك يحلم مثلي بالسفر فيجد في العمل المبكر مدخلاً إلى الحلم.
صار سامي ينظر إليّ بحرقة، إذ لطالما حثّني على إكمال دراستي، وحاول دائماً أن يصدّر لي أحلامه بتحصيل العلم والتطور. لكن ما الذي يمكن أن يقوله الآن، وأنا لم أفعل ما فعلته إلّا بعد رؤيتي لما حلّ به. في الفترة نفسها، اتّخذ هو الآخر القرار الذي كنّا نخشاه ونتوقّعه جميعاً.
ارتجفت قدما والدتي عندما سمعت الكلمات تخرج من فم سامي. لم تعد قادرةً على الوقوف، وسألته: “بدي إخسرك إنت كمان يمّا!”. ثمّ لجأت إلى ما ظنّته ورقة الضغط الذهبية، فسألته:
– “طيب وسلمى؟”.
فجاءها الجواب بارداً:
– “هيك بكسب حالي يمّا، وسلمى إجاها عريس وأهلها موافقين”.
حسم سامي قراره بالسفر، وبدأ بالبحث عن طريق آمنٍ للرحيل. كان قد ادّخر بعض النقود من عمله في الورشة لكي يخطب سلمى، وليحجز بها مقعداً في الجامعة لإكمال تعليمه. لكنّها صارت الآن بابه للسفر، فالأحلام بحياةٍ هانئة حيث هو حرامٌ عليه وعلينا.
عادت الكآبة لتخيّم على المنزل. مرّ وقت طويلٌ لم تبتسم فيه والدتي. أما والدي فقد ازدادت التجاعيد في وجه، وكثرت مشاجراته مع سامي حول العصفور. كانت التجربة صعبةً على والديّ اللذَين لم يدُر في خلدهما أنّهما أنجبانا لكي يحترقا بلوعة فراقنا.
فهمت والدتي منذ تلك اللحظة بأنّ فراس سيلتحق بعلي وسامي، وبأنّني لن أتأخر عنهم كثيراً.
لذلك، بدأتْ بالبحث عن وسائل للتأقلم مع الفراغ الآتي، وفتحتْ دكاناً صغيراً أسفل المنزل تبيع فيه بعض المواد الغذائية وتجتمع فيه مع نساء الحيّ. كانت تهرب من المنزل متوجّسةً من اليوم الذي سيفرغ فيه فعلاً.
أمّا أنا، فلم تكن بدايتي في صالون الحلاقة مثالية. كنت أتعب كثيراً، واحتجت لكثير من الوقت للتأقلم. كنت أتأثر عند رؤيتي لأصدقائي عائدين من المدرسة للذهاب إلى اللعب، وشعرت بأنّني صرت رجلاً قبل الأوان، مطلوب منه أن يتحمّل مرارة الحياة.
لم تتحمّل رجلاي الطريّتان في البداية الوقوف طوال النهار في المحل، ولم يكن صاحب الصالون ساعياً لرضاي كمعلم المدرسة. على العكس من ذلك، كنت أنا من يبحث عن رضاه. لهذا السبب لم أمانع القيام بكثير من الخدمات له، داخل وخارج المحل، كأن أوصل له أغراضاً إلى المنزل. كنت حين عودتي إلى البيت في الليل، لا أسعى لشيء عدا النوم في الفراش.
بدأتُ بخسارة أصدقائي، ولم أعد أرافقهم إلى ملعب كرة القدم أو أشاركهم في حماقاتهم الصبيانية.
تخلّيت عن كلّ ذلك فداءً لحلمي.
لكنّني لم أشعر بخسارتي لطفولتي إلّا مع مجيء العيد. كنت في السابق أعدّ الساعات بانتظار العيد لكي أتباهى بثيابي وألعابي، ولأشارك أصدقائي في المخطّطات التي قضينا وقتاً طويلاً في تحضيرها. لكن في ذلك العام، أمضيتُ الأيام السابقة للعيد في الصالون إلى ما بعد منتصف الليل، أصارع النعاس والتعب. كان كلّ ذلك ثقيل الوطأة على طفل لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره. حتى أنّني اضطررت للعمل في أوّل أيام العيد.
كانت الحسرة والقهر يأكلانني. لم أكن أستطيع ترك صاحب المحل وحيداً مع زحمة الزبائن، ومن بينهم أصحابي الذين جاؤوا ليحظوا بتسريحة العيد ولينطلقوا إلى عالم من المرح اللانهائي الذي حرمت منه.
كان يوم العيد ثقيلاً عليَ، ومع ذلك كنت مقتنعاً بقراري وملتزماً بتحمّل تبعاته. في ثالث أيام العيد بحثت عن أصدقائي، لكنّني وصلت متأخراً جدّاً. كانت مدّخراتهم المالية قد انتهت، وبالتالي انتهت معها المشاريع والنزهات أيضاً. شعرت عندها بأنّ العيد لم يأتِ هذا العام، وتيقّنت بأنّ طريقي سيكون معبّداً بالتضحيات.
بعد فترة وجيزة، بدأت أحلق بنفسي للزبائن بشكل بسيط. كانت فرحتي كبيرةً جداً، وشعرت بأنّني صعدت درجةً جديدةً على السلم الموصِل إلى الحلم الأوروبي.

الفصل الثالث

يرنّ جرس المنزل مراتٍ متتالية، منبئاً بشيءٍ ما خطير قد حدث. دخل سامي على عجل، وسأل عن والدي، ثمّ هرع إلى الشرفة حيث اعتاد أن يجلس منذ رحيل عليّ.

قال سامي بلهفة:
– “الحاج فتح الطريق. بأسبوع العالم عم تكون بإسبانيا. بدي أطلّع باسبور”.
لم يغيّر والدي جلسته. كان ينتظر هذه الساعة منذ زمن، متأهباً لها. أخذ سحبةً من سيجارته، قبل أن ينفث الدخان كعاصفة، ثم قال لسامي بصوتٍ خافت:
– “طَلّع”.
كانت والدتي في دكانها، تمنّي نفسها بأن طريق الهجرة الشرعية قد أقفل، بعد أن انقضى عامان منذ سفر ابنها علي، حين رأت سامي يحمل أوراقاً ويركض على عجل. صرخ سامي مستعجلاً: “رايح أطلع باسبور”.
بدأ سامي بجمع المبلغ. كان قد ادّخر بعض المال خلال عمله في الورشة، لكن كان ينقصه مبلغ ثلاثة آلاف دولار من أصل السبعة آلاف المطلوبة.
اقترض والدي المال مجدّداً، وانضمّت له أمّي هذه المرّة، وباعت ما تبقى لديها من صيغة عرسها.
بعد جهدٍ تأمّن المبلغ. وضعه سامي في ظرف ورقي، وتوجه إلى المهرّب. كان ذلك المهرّب الوحيد الذي بإمكانك أن تعطيه مبلغاً كهذا دون الخوف من أن يكون نصاباً. فهذا الرجل له فضلٌ على أكثر من نصف المهاجرين الفلسطينيين، وأشهر من نارٍ على علمٍ في المخيّمات.
اتصل الحاج بسامي قبل ساعات، وطلب منه أن يكون جاهزاً عند العصر. كنت أظن أننا بعد علي، قد طوّرنا مناعةً تساعدنا على مواجهة الفراق، لكنّني كنت مخطئاً. كنا نهرب من تلك الساعة الملعونة. حتّى والدتي أمضت معظم نهارها في الدكان.
حزم سامي أمتعته، وحمل حقيبة الظهر. أراد أن يبدو قوياً في تلك الساعة. عانقني عناقاً جافاً، وكذلك فعل مع فراس. ذهب ليودّع أبي، فوجده جالساً تماماً كما كان يجلس يوم وداع علي: غارقاً في مقعده البلاستيكي على الشرفة، يشرب القهوة ويلتهم السجائر.
انحنى سامي عليه، وقبّل يده ورأسه، ثم قال بصوت مخنوق: “سامحني يابا”.
فرك والدي بيده على رأس سامي. كان يعصر شعره عصراً ويداعب وجنته. تنهّد ثم قال: “عصفورك بالحفظ والصون”.

مضى سامي إلى أمّي. لم تكن منهارة. وقفت بصبرٍ وضمّته إلى صدرها. آثرت العناق على البكاء، لأنّها ستبكي كثيراً في الأيام المقبلة، لكنّها لن تعانقه مرة أخرى.
انطلق سامي أخيراً. بعد أسبوع، وصل إلى اسبانيا، وبعدها بأيام صار عند علي في ألمانيا. عندما رأينا صورتهما سوياً، عاد شيءٌ من البهجة إلى المنزل.
في العام 2017، هاجر كثيرٌ من أبناء المخيمات الفلسطينية إلى أوروبا. كانوا بالآلاف، وكانت الرحلة إلى أوروبا أشبه بالنزهة. كلّ ما تحتاجه هو مبلغ من المال وباسبور، وفي عشرة أيام ستكون في البلد الأوروبي الذي تريده، وهذا كله من فضل الحاج.
صار عصفور سامي الشغل الشاغل لوالدي. يطعمه ويسقيه ويفلته أحياناً. لم يكن أحدٌ منّا يتخيّل بأنّ العداء الذي كنّه أبي لهذا العصفور يمكن أن يتحول إلى حب كهذا. لكن، وكما يقال، ما أغلى من الولد إلّا ولد الولد، وعصفور سامي كان بمثابة ابنه.
في ذلك الوقت كنت قد صرت نصف معلّم في الحلاقة. زاد ذلك من جرأتي، وصرت أحلق للرجال من عائلتنا في البيت. ومع تقدم الوقت تأكّدت من صوابية قراري.
في صباح ربيعي، فتحت والدتي شبابيك المنزل لتهوئته، فدخلت الشمس ومعها قطّة لم تنتبه لها والدتي. لم نعد كثراً في المنزل، ومن بقي منّا منصرف إلى عمله وأشغاله في الخارج، لذلك لم يتمكّن أحدٌ منّا منعَ ما حدث.

عندما عاد والدي في المساء وجدَنا على غير عادتنا، كأنّنا فقدنا عزيزاً. سأل والدي عن سبب الحزن الطارئ على المنزل، لكنّنا لم نجبه. كنّا نعلم بأنه على وشك اكتشاف ذلك بنفسه. لحظات، وصاح والدي بصوتٍ هزّ البيت:
– “وين العصفور؟”.
عرف بعدها بأنّ القطة قد افترسته. كان حزنه كبيراً، كأنّه فارق سامي من جديد. وعلى الرغم من أنّ سامي نفسه حاول أن يخفّف عنه إلّا أنّه لم يفلح. كان والدي يرى سامي في هذا العصفور، ويسمع في زقزقته صوت ابنه.
مرّ عامٌ على سفر سامي، وعاود الحاج نشاطه من جديد. جاء الدور على فراس هذه المرة، والذي استقبل الجميع سفره بهدوء، إلّا أنا.
ترك فراس المدرسة في الثالثة عشر من عمره، وانطلق للعمل في ورشة لطلاء المنازل مع خالي. مع الوقت صار معلّماً في مهنته، ولازمته فكرة السفر.
كنا، فراس وأنا على خلافٍ دائم، وكان يكبرني بثلاثة أعوام. أصل الخلاف كان ارتدائي لملابسه الجديدة وسرقتي غير مرّة لنظاراته الشمسية.
مثل سامي، ادّخر فراس مبلغاً من المال. هذه المرّة، لم يستطع والدي أخذ قرض مالي، لكنّه استدان مبلغاً من معارفه. تحدّثنا مع الحاج، وقرّر أن يقدم لنا مساعدة بتخفيض المبلغ من سبعة إلى ستة آلاف دولار.
لو أجريتَ في تلك الفترة انتخابات لرئاسة المخيّمات الفلسطينية في لبنان، لفاز الحاج بلا منازع!
كانت والدتي ترى عقد العائلة ينفرط شيئاً فشيئاً. ها هو فراس، الذي لم يتجاوز التاسعة عشر عاماً، يحزم أمتعته أيضاً. أخاف ذلك أمّي، لكنه مثلنا جميعاً، صار رجلاً قبل أوانه.
تجدّدت الغصّة والدموع مع رحيل فراس، ففي الفترة التي سبقت رحيله، تقرّبنا من بعضنا البعض كثيراً: نسهر معاً، ونمزح مع والدي، ونتشاجر.
الآن، صار المنزل فارغاً، فقد غادره ثلاثة شبان في ثلاث سنين. مرّت هذه السنوات على والدي كثلاثة قرون، ستزيد واحداً عند مغادرتي أنا أيضاً.

الفصل الرابع

– “ليش عم تركض؟”.
يسأل ولدٌ صديقه، فيجيبه:
– “أم علي عم توزع فول”.
يتداعى الأطفال في المخيم، يركضون إلى دكان والدتي، ويتزاحمون أمامه. تضع أمّي وعاءً من الفول، وتوزّعه على الأطفال بعد أن ترشّ عليه القليل من الكمّون والملح والكثيرٍ من الحب.
صار هذا المشهد معتاداً أمام دكّان أمّي. اعتادت أن تختار أكلة يحبها أحد إخوتي المغتربين، وتصنعها بأفضل طريقة، ومن ثمّ توزعها على الأطفال. كانت مؤمّنةً بأن الله سيقابل الإحسان بذات الطريقة، وبأنّها عبر القيام بذلك، ستساعد أطفالها الرجال على إيجاد من يطعمهم طعاماً عربيّاً لذيذاً في ألمانيا.
الآن، صار والدي يمتدح مهاراتي في الحلاقة، ويقول لأمّي بين الوقت والآخر بأنّي صرت معلّماً حقيقيّاً. وكأنّه نسي لماذا تركت المدرسة. في أحد المرّات، اقتنصت الفرصة لأفاتحه بموضوعي، وقلت مترقّباً ردّة فعله: “طب يلا لكن، خليني أطلع الباسبور”.

بدت ملامح الانزعاج على وجه أبي سريعاً. هو يتمنى بقائي، لكنّه في الوقت نفسه، يعلم بأن بقائي ظلمٌ لي. لم يكن أمامه أن يجيب سوى بعبارة “إن شاء لله”، مع هزّ رأسه، وكأنّه يستعد لفراقي القريب.
وبالفعل، ذهبت بعد فترةٍ مع والدي للحصول على جواز السفر، ومن ثم ذهبنا إلى بطل المخيمات الأوحد، الحاج.
كانت تلك المرّة الأولى التي أقابله فيها. كان الداخل عليه كالداخل على رئيس أو وزير تحيط به حاشيةٌ من الموظّفين. بدا الرجل مهيباً، وكبيراً في السن، لكن وجهه ما زال محتفظاً بشيءٍ من نضارة الشباب. استقبلنا بحفاوة، فهو صار يعرف والدي. سأله عن أشقائي فراس وسامي وعن أحوالهم في ألمانيا. فأخبره والدي بسبب مجيئنا: “والله يا حاج بدنا نبعته لعند أخوته”.
ربّت والدي على كتفي، ونظر إلى الرجل بشيءٍ من الخجل، فجاءه الردّ سريعاً وواثقاً: “إي، ليش لا”، كما لو أنّ الطائرات واقفةٌ أمام البناء، مستعدةٌ للإقلاع.
دفعنا دفعة أولى بقيمة ثلاثة آلاف دولار، واتّفقنا معه على تخفيض سعر الرحلة من عشرة آلاف إلى ثمانية آلاف دولار.
أخرج والدي النقود، تناولتها منه لأعطيها للحاج، فسحب صندوقاً من درج مكتبه وأشار عليّ بأن أضع المبلغ فيه.
اتّسعت عيناي في لحظتها، كان الصندوق مليئاً بالنقود التي بدت كورقٍ لا قيمة له.
خرجنا من عنده متفائلين، وبدأت مرحلة الانتظار. ظُهر ذلك اليوم في صيف 2019، أبلغنا الحاج أن ننتظر هاتفاً منه. صارت والدتي تحضّر لي الأكلات التي أحبها، ووالدي يمازحني ويعاملني بقسوة أقل من ذي قبل. صرت كالضيف في بيتي، وقد اقترب موعد فراقي.
لكنّ الحاج لم يتصل، وطالت زيارتي في بيت أهلي. وفي النهاية اتّصلنا نحن مستفسرين، فأجابنا بأنّ الوقت لم يحن بعد. انتهى الصيف ولم أسافر. أحبطني ذلك لأنّني ما زلت دون الثامنة عشر، وذلك سيسهّل كثيراً حصولي على الإقامة، بحسب ما أخبرني عليّ.
لسوء الحظ، لم تستتب الأمور . بدأت المظاهرات في لبنان، بالتزامن مع الانهيار الاقتصادي في النصف الثاني من تشرين الأوّل.

اعتبرت نفسي أكثر الناس تضرّراً. ينهش الفساد لبنان منذ سنوات، ألم يحلُ للشعب أن يثور إلّا عندما قررت أن أسافر!
تعقّد الوضع، وبدا أنّ الحاج لا يملك إجابات كما لا يملك طرقاً آمنة للسفر. طال الانتظار ودخلنا في العام الجديد، لكن من دون تطوراتٍ تذكر. وممّا زاد الطين بلةً وزاد حياتي قهراً انتشار الكورونا. أغلق العالم لأكثر من ثلاثة أشهر. كلّ ذلك لأنّني نويت السفر وترك لبنان!
كانت فترةً قاسيةً عليّ، أقضي وقتي وحيداً في المنزل، عالقاً في محطّة الانتظار. وأخيراً، اتصل بنا الحاج، وطلب منّا الاستعداد للسفر، لكن بشرط: “كل شي غلي بالبلد حتى التهريب”.
طلب مبلغاً إضافياً بسبب انهيار الليرة اللبنانية. أحتاج الآن إلى خمسة آلاف دولار فوق الثلاثة التي دفعتها مسبقاً. لكن خمسة آلاف دولار تمثّل الآن ثروة في لبنان. من أين لي أن أؤمن هذا المبلغ!
بدأنا بالمماطلة مع الحاج، لنحاول كسب الوقت لجمع المبلغ الهائل، ووصل بنا الحال لبيع بعض أغراض المنزل.

***

اليوم، تجاوزت الثامنة عشر، وما زلت أحاول أن أجمع المال للرحلة. لم أفرح ببلوغي سن الرشد كما يفعل الكثير من الشباب. مع تقدّمي بالعمر صرت أشعر بأنّ همومي تزداد. من المتعارف عليه أنّ الشباب في الثامنة عشر من عمرهم يبدأون بخوض تجاربهم الأولى، الحبّ الأول وطيش البدايات، لكنني لا أملك وقتاً لكل ذلك. لدي هدف وحلم هو مغادرة بلد الهموم هذا.
عمّا قريب سأكمل جمع المبلغ، وسيفتح طريق الهجرة من جديد، وسأفارق والديّ.
سيكون والدي جالساً على كرسيه كالمعتاد، سيلقي علي نصائحه بصوت منخفض، ستغمرني والدتي محاولة الحفاظ على تماسكها، ستطيل العناق قدر ما تستطيع، ثم تبكي كثيرا بعد أن أختفي.
لقد حفظت وعائلتي طقوس الوداع كلّها.

شارك/ي

Share on facebook
Share on twitter

كتابة: إياد تيسير
رسم: رزان وهبة
تصوير: سيد أحمد
تصميم: إبراهيم شرارة
وسائط متعددة: فرات شهال الركابي
تحرير: صباح جلول، رضا حريري
تطوير: جعفر شرارة
ترجمة إلى الانكليزية: صباح جلول

إشراف: إبراهيم شرارة

منصة إعلامية تهدف إلى تعزيز استخدام مهارات السرد القصصي الرقمي في الانتاج الصحافي. القصص المنشورة في المنصة من انتاج صحافيين/ات وصانعي/ات محتوى شباب من جميع المناطق اللبنانية، تم تدريبهم/ن وتوجيههم/ن من قبل فريق StoryLeb.
يندرج StoryLeb ضمن مشروع Shabab Live وينفذ بالشراكة مع أكاديمية دويتشه فيله (DW Akademie) ومنظّمتي “الجنى” و”الخط”، بتمويل من الاتحاد الأوروبي ودعم من وزارة الخارجية الألمانية.

محرر تنفيذي: إبراهيم شرارة
وسائط متعددة: فرات شهال الركابي
تحرير: رضا حريري، صباح جلول
تطوير تقني: جعفر شرارة، روان الحوري ابو النصر
تصميم: إبراهيم شرارة
الترجمة إلى الإنكليزية: صباح جلول، روان المقداد

اتصل/ي بنا

او تواصل/ي معنا عبر البريد الالكتروني

انضم/ي إلينا

تم إطلاق هذه المنصة بمساعدة مالية من المفوضية الأوروبية في إطار مشروع شباب لايف (Shabab Live)، وهو مشروع مشترك بين “أكاديمية دويتشه فيله” و”مركز الموارد العربي للفنون الشعبية” و”الخط”. محتوى هذه المنصة هو مسؤولية StoryLeb وحده ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره يعكس موقف المفوضية الأوروبية أو شركاء المشروع.

يتكئ محمود مهموماً على جدار “زاروبه”، يتحدث بألم عن واقعه ويتململ من روتين حياته كعاطل عن العمل: “صرلي سنتين عم اكش دبّان”.
ينظر محمود بتحسّر إلى شهادته الجامعية المعلّقة في مكانها على الحائط منذ عامين. فبالرغم من معدل الامتياز الذي حصل عليه في اختصاص إدارة الأعمال، إلا أنّ ذلك لم يشفع له بإيجاد عمل.
محمود مفلح شاب في الخامسة والعشرين، من سكان مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين. يعيش مع والدته المريضة ووالده الكبير في السن، ويتحمل مسؤولية إعالة أسرته. لذلك كان لزاماً عليه أن يجد أيّ نوعٍ من العمل بغية تأمين قوت العائلة.
يرتدي محمود ثياب العمل، وينزل ليجرّ عربة الخردة في أحياء المخيّم بحثاً عن بقايا حديد وتنك، بعد أن هجره حلمه القديم بثياب عمل أنيقة ومكتب ووظيفة… يشعر بالأسى على حاله والخجل من شهادته، لكنه يعلم أن شعور الجوع أشدّ مرارة.
لكنّ “أبو حديد” – كما يناديه سكان المخيم – لم يتخلَّ تماماً عن طموحاته. يطيل النظر في البحر. يغرق في الأحلام ويمدّ نفسه بالأمل…
ذلك الأمل الذي يعده بأنه سيكون يوماً ما من المهاجرين.

القصص المنشورة في StoryLeb من اختيار صحافيين/ات وصانعي/ات محتوى شباب، شاركوا/ن في الدورة التدريبية الأولى للمشروع.
تم انتاج القصص بمساعدة مالية من المفوضية الأوروبية في إطار مشروع شباب لايف (Shabab Live)، وهو مشروع مشترك بين “أكاديمية دويتشه فيله” و”مركز الموارد العربي للفنون الشعبية” و”الخط”. القصة هي من مسؤولية StoryLeb وحده ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها تعكس موقف المفوضية الأوروبية أو شركاء المشروع.