في السوق، حيث كانت قبل ساعات بسطات الملابس والفواكه والخضار الملوّنة تضجّ بصياح البائعين وأصوات الناس، لا شيء بقي على حاله. حريق ضخم التهم المكان، فانقلب كل شيء إلى رماد وحديد وزجاج.
وسط هذا الركام كانت كاميرا صغيرة تدور بين الناس، تنقل صوتهم وتوثّق الخسائر التي أصابتهم في باب رزقهم الوحيد.
في مكان آخر، وفي زمن آخر، كانت الكاميرا تنقل معاناة أهل طرابلس مع البنية التحتية في المدينة: من الحُفر المنتشرة في الشوارع، ومجاري المياه الصحيّة المفتوحة والروائح الكريهة.. إلى جبل النفايات الممتد من أطراف نهر أبو علي إلى الشاطئ. تنقل الصورة والصوت للضغط على البلدية ومساءلتها ومراقبة عملها.
وبين الإهمال والصور النمطية والتعتيم الإعلامي، تدور الكاميرا باتجاهات مختلفة عن السائد. تمشي “بين الشوراع”، لتنقل حكايات أهل المدينة وتقدّم صوراً عن جمالها وتاريخها وثقافتها، أو تتجول مع “تاكسي الورد” لتتوقّف، على طريقتها، في محطات سياسية واجتماعية وفنيّة مختلفة، أو تصير “متفرّجة” لتعطي الصوت للنساء الصامتات في المدينة.
هذه قصة مبادرة أعلامية محلية، أبطالها شابات وشبّان من جنسيات مختلفة، يعيشون في المدينة ويحملون هموم أهلها وآمالهم.

ربيع كرزون

في السوق، حيث كانت قبل ساعات بسطات الملابس والفواكه والخضار الملوّنة تضجّ بصياح البائعين وأصوات الناس، لا شيء بقي على حاله. حريق ضخم التهم المكان، فانقلب كل شيء إلى رماد وحديد وزجاج.
وسط هذا الركام كانت كاميرا صغيرة تدور بين الناس، تنقل صوتهم وتوثّق الخسائر التي أصابتهم في باب رزقهم الوحيد.
في مكان آخر، وفي زمن آخر، كانت الكاميرا تنقل معاناة أهل طرابلس مع البنية التحتية في المدينة: من الحُفر المنتشرة في الشوارع، ومجاري المياه الصحيّة المفتوحة والروائح الكريهة.. إلى جبل النفايات الممتد من أطراف نهر أبو علي إلى الشاطئ. تنقل الصورة والصوت للضغط على البلدية ومساءلتها ومراقبة عملها.
وبين الإهمال والصور النمطية والتعتيم الإعلامي، تدور الكاميرا باتجاهات مختلفة عن السائد. تمشي “بين الشوراع”، لتنقل حكايات أهل المدينة وتقدّم صوراً عن جمالها وتاريخها وثقافتها، أو تتجول مع “تاكسي الورد” لتتوقّف، على طريقتها، في محطات سياسية واجتماعية وفنيّة مختلفة، أو تصير “متفرّجة” لتعطي الصوت للنساء الصامتات في المدينة.
هذه قصة مبادرة أعلامية محلية، أبطالها شابات وشبّان من جنسيات مختلفة، يعيشون في المدينة ويحملون هموم أهلها وآمالهم.

ربيع كرزون

حريق جسر أبو علي

لم يعرف أصحاب البسطات في سوق نهر أبو علي في طرابلس أنّ مكان عملهم سيدمّر في حريق ضخم في تلك الليلة. كانوا يمارسون عملهم كما اعتادوا، من دون أن يدركوا أنّ الملابس والفواكه والخضار الملوّنة ستغدو رمادية متفحّمة، ولا أنّ صياحهم على بضائعهم سيستبدل بصافرات سيارات الدفاع المدني، ولا أنّهم ورواد السوق سينقلبون فجأةً إطفائيين ومسعفين يحاولون إخماد النيران وإنقاذ المصابين.
كانت ليلة الرابع عشر من تموز 2019 كفيلةً بالقضاء على سوقٍ عُرف العاملون فيه أساساً بحالتهم الاقتصادية الصعبة. يقع السوق في منطقة حيوية تشكل نقطة التقاء بين أهم منطقتين للتجمع السكاني في طرابلس: قبة النصر في الشمال الشرقي وأبي سمراء في الجنوب الغربي. قيل وقتها أنّ قارورة غازٍ قد انفجرت في السوق المسقوف وتسببت في اندلاع الحريق. لكن، وباستثناء سيارة طالتها النيران فانفجرت، لم ينجح الناس في تمييز أصوات الانفجارات الكثيرة. تمّ إخماد الحريق قرابة الساعة الثانية فجراً جرّاء العمل الدؤوب لفرق الإطفاء والدفاع المدني وبلدية طرابلس للسّيطرة عليه، وأدّى ذلك لإصابة ستّة رجال إطفاء بحالات اختناق وحروق متفاوتة. لكن، ولحسن الحظ، لم يمت أحد.
في الصباح التالي، حمل صلاح كاميرته الصغيرة ومضى إلى موقع السوق ليشاهد ويوثّق ما تسببت به كارثة الليل. عند وصوله إلى مدخل المنطقة، فوجئ صلاح بانعدام أيّ إشارة أو دليل على ما جرى. كان صباحاً مشابهاً لأيّ يومٍ آخر من أيام الصيف. لم يبقَ أثرٌ لدخان البارحة في السماء الزرقاء، وها هي قبّة النصر تلمع مشرقةً بلون الشمس الذهبي، أما الناس فيكملون دورتهم المعتادة في الشوارع والأسواق المجاورة.
أكمل صلاح مسيره حتّى وصل إلى السوق، وبمجرّد رؤيته للمشهد اجتاحه شعورٌ غامرٌ بالوحشة. غزا اللونان الأسود والرمادي المكان، واقتُلع السقف من مكانه، واحترقت مئات المحال والبسطات.
كان من الصعب التجوّل في السوق الذي امتلأت أروقته بالرماد والحديد والزجاج، لكنّ المأساة كانت جليّة، وقيل بعدها أنّ الخسائر قاربت المئتي ألف دولار. كان المكان موحشاً إلى حدٍ كبير، ولولا قلعة صنجيل الرابضة على الضفة الغربية للنهر لنسي صلاح أنّه ما زال موجوداً في طرابلس.
في تقريره لمنصة “أنا هون” وصف صلاح البؤس الذي رآه قائلاً: “أضرار هائلة.. الناس كتير تضررت”.

الحفريّات

يرتفع ضجيج آليات الورشة ويمتلأ المكان بالغبار، لينهك ذلك المارة وسكان المنطقة على حدٍّ سواء. مرّت سنوات من دون أن تنتهي أعمال الحفر والتنقيب في دوار مرج الزهور، وبالتالي ما زالت الشوارع المحيطة به مغلقةً حتّى الآن. يعيق ذلك حركة أهل المدينة الذين ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء الأشغال في الدوار الذي لا يمتّ اسمه إلى مظهره بصِلة.
يقع الدوار في شارعٍ رئيسي من شوارع منطقة أبي سمرا، يربط بين منطقة البحصاص وساحة النور. على الرغم من وقوعه في مكانٍ حيوي، إلّا أنّ ذلك لم يحدّ من انتشار أنابيب المجاري وبرك الوحل التي تلطّخ كل مَن وما يمرّ قربها.
مضت أيام وأسابيع طويلة من العام 2017 من دون أن تنتهي أعمال الحفر في طرقات طرابلس. تمر الأيام والمسؤولون يتقاذفون المسؤولية، فتلقي البلدية باللوم على مجلس الإنماء والإعمار والمتعهدين، الذي يردّون التهمة بدورهم على البلدية. بين الطرفين، يقبع الطرابلسيون كضحايا لهذا التخاذل والفساد.
عند وصوله إلى دوار مرج الزهور، استقبلت صلاح صورةٌ معلقةٌ على شجرةٍ لأحد السياسيين مبتسماً، وقد كُتب تحتها: “الرجل الوطني الكبير”. حدّق صلاح في الصورة للحظات، ثمّ انتبه إلى أنّ المكان أشبه بالخراب، خرابٌ أكبرُ من الزعيم الكبير نفسه. حُفّرت الشوارع وقُطّعت، تناثرت في جنباتها قطع الحديد الصدئة والأنابيب المهترئة والحصى والحجارة. هذا عدا عن مجاري المياه الصحيّة المفتوحة والروائح الكريهة المنبعثة منها. تتحرّك الجرّافات والآليات من دون توقّف موحيةً بأنّنا أمام نموذج للعمل الجاد والدؤوب، لكن لا شيء من ذلك يُنجز في الحقيقة. خرّبت الشركة المتعهدة الشارع وتركته من دون إصلاح.
“منحكي، ما في حدن. منعيّط، ما في حدن”، هكذا اختصر أحد سكّان المنطقة محاولاتهم المتكرّرة لإنهاء الحفريات.
على بعد أربعمئة متر تقريباً توجد حفرة ضخمة بإمكانها ابتلاع أيّ شيءٍ أو أحد لضخامتها. يقول أحد القاطنين هناك: “كل واحد هون يا ربي نفسي وما حدا بحاسب حدا”. أدّى هذا الإهمال إلى إصابة أحد المواطنين ونقله إلى المستشفى. من أمام الحفرة يوصّف صلاح الوضع قائلاً:
“يبدو أن عمليات الحفر لإيجاد الكنز المفقود ما زالت مستمرة”.
كلّ هذه المشاكل جعلت أبناء مدينة طرابلس غاضبين ومتذمّرين من سلوك البلدية، ممّا دفعهم لطرح الثقة بها بعد مرور سنة ونصف السنة فقط على انتخابها، بهدف تغيير رئيسها. في تلك الفترة، أسّس صلاح مع رفاقه منصّة إعلامية تحت اسم “أنا هون” بهدف توثيق الأداء السيء للبلديّة وعرضه للجمهور ممّا يجبر المسؤولين على تحسين أدائهم ورفع إنتاجيتهم.
كان عمل الفريق بسيطاً: يختارون مشكلةً من المشاكل الكثيرة التي تعاني منها المدينة، ويوثقونها بكاميراتهم، ومن ثم يختارون لها عنواناً يقدر على الرغم من بساطته أن يحاكي معاناة المُشاهِد ويستفزّه لرفع الصوت.

النفايات

تحار العين إن كان ما تراه حاوية نفايات أم صورة مصغّرة عن المطامر؟ لتدرك بعدها أنّه رصيف من أرصفة “باريس الشرق” بيروت، حيث تغطّي الروائح الكريهة رائحة أيّ عطر باريسي مهما غلا سعره. ردّد اللبنانيون شعار “طلعت ريحتكن” في المظاهرات التي أعقبت أزمة النفايات في العام 2015، والتي انعكست في العاصمة بيروت بشكل أسوأ من المناطق الأخرى. بدل أن تعمل الدولة على إيجاد حلول مناسبة ومستدامة، اختار مسؤولوها الذهاب وراء الحلول المؤقّتة والسهلة، فقرّروا أنّ الحلّ يكون في نقل نفايات بيروت إلى طرابلس لطمرها بين منطقتيّ الفوّار والبدّاوي. لكنّ الناس لم يصبروا على ذلك طويلاً، ففي العام 2017، رفع أبناء طرابلس صوتهم خوفاً من انتشار السرطان بينهم. اعتصم الأهالي في ساحة التلّ للمطالبة بحلّ أزمة جبل النفايات المكوّن من 450 طنّاً من النفايات غير المعالجة، والممتد من أطراف نهر أبو علي إلى الشاطئ.
في ذلك اليوم، وعلى غير العادة، وجد أهل طرابلس منصّة إعلامية تنقل مطالبهم للجمهور، كانت هذه المنصة هي “أنا هون”، التي حضرت لتوصل صوت أبناء المدينة الذين اعتادوا التهميش الإعلامي. لاحقاً، ستحضر هذه المنصّة في كلّ تحرّك لإقفال مطمر الفوّار، علّها تساهم في إيقاظ البلدية من سباتها العميق. عبرَ صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي سلّطت مبادرة “أنا هون” الضوء على أساليب الهدر والفساد التي تمارسها البلدية، وشيئاً فشيئاً، أُجبرت البلديّة على التحرّك، ووجد المسؤولون في البلدية أنفسهم مضطرين لتغيير أدائهم. أخيراً، وبعد الضغط الكبير والمبادرات المختلفة وقطع الطرقات، أعلن في آب من العام 2019 التراجع عن إقامة مطمرٍ في الفوّار. مع صدور هذا القرار أدرك فريق “أنا هون” أنّ بإمكانه التأثير على البلدية، من خلال مساءلتها ومراقبة عملها إعلامياً.

"تاكسي الورد"

بين الكوميديا والاسكتشات الإنتقادية المعبّرة، وبين المقابلات مع ناشطين اعلاميين واجتماعيين وحقوقيين، تتحول “تاكسي الورد” إلى استديو متنقّل ينقل واقع المدينة إلى جميع المناطق اللبنانية.

تشغيل الفيديو

نشأة "انا هون"

رفع سعد سماعة الهاتف ليجد حسين الذي يعمل في إحدى الجمعيات في بيروت يطلب منه موعداً للّقاء بهدف مناقشة مشروع مبادرة إعلامية مختلفٍ عن السائد في الساحة الإعلامية. اتّفق الاثنان على الموعد وكان سعد متحمّساً بحكم شغفه بمهنة الصحافة، المهنة الوحيدة التي يبذل فيها قصارى جهده.
في اللقاء، قرّر الاثنان إنشاء منصّة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي تهدف لإفساح المجال أمام الشباب للحديث عن أفكارهم والتعبير عن وجهات نظرهم فيما يخص المجتمع والاقتصاد والسياسة، مع توخّي الحذر في تناول النقطة الأخيرة وعدم الانسياق في أروقتها إذا لم يمتّ ذلك بصلةٍ مباشرة إلى المصلحة العامة. رغب كلاهما بأن تحقّق المنصة التواصل بين الجمهور والصفحة من جهة وأن تخلق مساحة للتواصل بين الجمهور نفسه من جهة أخرى. كما أرادا نشر الوعي وتحفيز الشباب للتعبير عن رأيهم بأسلوب توعوي وفكاهي ونقل قضايا المواطن اليومية، والدعوة للتحرك ودعم المبادرات الفردية والمجتمعية من خلال متابعتها ونقلها.
ترعرع سعد في كنف أسرةٍ ناشطةٍ في الشأن العام. غذّى ذلك لديه الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والرغبة في التغيير. وعلى الرغم من إقامته خارج طرابلس لسنوات عديدة، إلّا أنّ ذلك جعله أكثر تعلّقاً بمدينته وأكثر اندفاعاً لمساعدة سكّانها.
بعد الاتفاق مع حسين، وجد سعد نفسه أمام المهمة التالية: بناء الفريق الذي سيدير وينتج محتوى المنصة التفاعلي في المناطق الأكثر تهميشاً من غيرها، تحديداً طرابلس والبقاع وصيدا. عدا ذلك، قرّر المؤسّسون أن يكون نصف الفريق من الإناث ونصفهم الآخر من الذكور، وأن لا يتم حصر اختيار الأعضاء في جنسيّة واحدةٍ، فيكونون من جنسياتٍ متعددةٍ: فلسطينية وسورية ولبنانية.
بدأ سعد بالبحث عن أعضاء فريق طرابلس، وخطر في باله أنّ المخرج الطرابلسي غسان الخوجة، وبحكم عمله كأستاذ في كلية الإعلام، قد يساعده في العثور على شباب مناسبين للمشروع. وبالفعل، وصله الخوجة بفاطمة ونغم المتخرجتين حديثاً من جامعة الجنان، لتكونا بذلك أوّل من انضم للفريق. بعدها، وفي معرض رشيد كرامي للكتاب في طرابلس، التقى سعد بنعمة، وهي ناشطة وإعلامية سورية مقيمة في طرابلس. حدّثها عن فكرة المبادرة بشكل عام، ولاحقاً عندما التقيا جاءت نعمة بصديقيها سارة وعاصم، اللذين يعملان في المجال نفسه، ليصل العدد إلى خمسة أشخاص. ثمّ اقترح أحمد انضمام عيشان، سائق الأجرة الشاب المعروف بحسّه الفكاهي، فاتصل به سعد ليوافق الشاب من فوره متحمّساً للانضمام إلى التجربة. وأخيراً، وبينما كان في أحد مقاهي المدينة، التقى سعد بصلاح، الشاب المتحمّس للانخراط في المجالين الإعلامي والاجتماعي. وهكذا اكتمل أعضاء فريق طرابلس السبعة.
لاحقاً، التقت فرق المناطق المختلفة في فندق الكومودور في بيروت، وبدأوا سلسلة من الاجتماعات المتتالية. تبدّل العديد من أعضاء الفرق الأخرى، إلّا فريق طرابلس الذي حافظ على أعضائه الأساسيين. على امتداد الأيّام اللاحقة سيخضع الفريق لتدريبات مكثّفة على العمل الصحفي تحت إشراف مدرّبين وصحفيين متمرّسين. وبعد اقتراحات متنوّعة لاسم المنصّة، وقع الاختيار على “أنا هون”، والتي بدأت بإنتاج سبعة تقارير في اليوم تتناول مواضيع مختلفة، وتحاكي شخصية واهتمامات كلّ واحدٍ من أعضاء الفريق.
رحّب سعد برغبة صلاح بأن يكون مراسلاً، وكان اندفاعه علامةً فارقة في الفريق. أما الحس الفكاهي والأسلوب الساخر وسيارة الأجرة الذين يمتلكهم عيشان، فقد ظهرت كلّها في برنامجه الكوميدي “تاكسي الورد”، والذي بدأ بتناول الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بشكل ساخر، ثم صار لاحقاً يستضيف سياسيين وناشطين اجتماعيين. أما فاطمة ونغم فقد اهتمّنا من خلال برنامجهما “بين الشوارع” بالجانبين الثقافي والتاريخي لطرابلس . فيما تفرّغت نعمة مع عاصم وسارة للعمل على برنامجهم “متفرّجة” الذي يتناول مواضيع اجتماعية ويركّز على دور المرأة في المجالين المجتمعي والمهني.

"بين الشوارع"

كاميرا “أنا هون” تمشي “بين الشوارع”، لتنقل حكايات أهل المدينة وتقدّم صوراً عن جمالها وتاريخها وثقافتها..

مسيرة "أنا هون"

– “ببلاش؟”.
– “إن شاء الله تكرم عينكم!”.
هكذا رد البائع الذي شابت لحيته في سوق طرابلس على سؤال سعد الفكاهي عمّا إذا كان يوزع بضاعته مجاناً في شهر رمضان. من قلب سوق الخضار في طرابلس وخلال شهر رمضان سجّل سعد وصلاح أوّل تقارير “أنا هون”، لتتوالى من بعدها الفيديوهات التي وصل عددها إلى أكثر من مئة. في البداية كان تفاعل الجمهور مع الصفحة متواضعاً. يكفي الفريق الحصول على 100 إعجاب و1000 مشاهدة للاحتفال. مع ذلك كان الأعضاء مصمّمين على توسيع انتشار المحتوى الذي ينتجونه من دون الحاجة للدفع على خدمة الإعلانات، لذلك تعاونوا على مشاركة المحتوى على حساباتهم الشخصية وإرسال دعوات الإعجاب بالصفحة إلى كل أصدقائهم. وبعد عدّة أشهر، عندما حصل أحد الفيديوهات على ألف إعجاب شعر أعضاء الفريق بالإحباط إذ لم يعد هذا الرقم كافياً لإرضائهم.
بهدف تنظيم العمل، كان المشاركون يجتمعون أسبوعياً لتقسيم المهام والاتفاق على المواضيع ومواعيد التصوير والمونتاج ولاحقاً النشر. نظراً لإقامتهم في طرابلس ومعايشتهم يومياتها لم يكن أعضاء “أنا هون” بحاجةٍ لمن يخبرهم بالمواضيع التي يجب عليهم تغطيتها أو كيفية فعل ذلك. كلّ ما كان عليهم فعله هو النظر حولهم والاختلاط بالناس ليعرفوا ما الذي يجب عليهم الحديث عنه. يرى سعد أن “أنا هون” لعبت دوراً هاماً في دفع الناس إلى التحرك وتغيير واقعهم. ولعل مشاركة “أنا هون” في مظاهرات 17 تشرين وما تلاها كانت أكبر دليل على ذلك. إذ لعبت المنصة دوراً مهمّاً في زيادة عدد المتظاهرين في ساحات طرابلس، عبر تغطيتها للأحداث ونقلها للمبادرات التي تجري في الشارع.

"متفرّجة"

برنامج يتفاعل مع القضايا العامة المرتبطة بالمرأة في طرابلس، انطلاقاً من ضيق المساحات التي تمنح للنساء للتعبير عن وجهات نظرهن..

في الثورة

رأى فريق “أنا هون” ما تعاني منه طرابلس من فقر واختبروا تهميشها من قبل الدولة وتشويه صورتها في الإعلام. حُرمت المدينة من المرافق الحيوية، التي ربما كان وجودُها ليخفف من وطأة معاناة أهل طرابلس. جال أعضاء الفريق في شوارع المدينة وشاركوا أبناءها جميع الأحداث التي مروا بها، الحزينة منها كما المفرحة، وعملوا على نقل صورةٍ أكثر واقعيةً للحياة اليوميّة، وحثّوا على محاولة تغيير الوضع القائم. لذلك كان من الطبيعي أنّ يكونوا ضمن أوائل المشاركين في المظاهرات التي اندلعت في السابع عشر من تشرين الفائت، حين نزل اللبنانيين لأوّل مرّة منذ وقت طويل للاعتراض على الأزمة الاقتصادية والنظام السياسي القائم.
عندما اكتظت ساحة النور بالحشود، كانت “أنا هون” حاضرة لتبثّ وتوثّق انتفاضة الناس وأملهم بالتغيير. لكن ذلك لم يكن كافياً لأعضاء الفريق الذين سارعوا ليكونوا جزءاً من تنظيم الحدث نفسه، وتولّوا إدارة المنصة التي أقيمت في ساحة النور خلال المظاهرات، ولعبوا دوراً مهمّاً في تنظيم أعمال فرق التصوير والصوتيات.
لم تكتفِ المنصة بنقل الأحداث من الساحة، بل عملت على توثيق وبثّ النقاشات والأحاديث التي كانت تدور في خيمة الثورة، رغبةً من القائمين عليها بنشر أفكارهم وتطلعاتهم للتغيير. كذلك سعى الفريق لتناول الأحداث في برامجه المختلفة، فسلطوا الضوء من خلال برنامج “حكي بنات” على دور النساء في المظاهرات. ومن المنطلق نفسه، استضاف برنامج “تاكسي الورد” العديد من الناشطين الاجتماعيين والإعلاميين المشاركين في المظاهرات ضمن فقرة “واصل على ساحة النور؟”.
شكّلت هذه المرحلة ذروة نشاط المنصّة، لكن بعد سنة ونصف من العمل توقف التمويل، وفتح الباب أمام الأعضاء للاستمرار بشكل تطوّعي أو المغادرة. الآن، وعلى الرغم من تراجع وتيرة النشر وغياب آلية واضحة للإنتاج، إلّا أنّ “أنا هون” ما زالت حاضرة كواحدةٍ من أفضل الصفحات فيما يتعلّق بالبثّ الحيّ. وفي كلّ مرّة يطرأ فيها حدثٌ ما في المدينة، تنشط الصفحة في توثيقه ومتابعته، لتحافظ بذلك على اتصالها وتواصلها مع أهل طرابلس وناسها.

"تاكسي الورد"

بين الكوميديا والاسكتشات الإنتقادية المعبّرة، وبين المقابلات مع ناشطين اعلاميين واجتماعيين وحقوقيين، تتحول “تاكسي الورد” إلى استديو متنقّل ينقل واقع المدينة إلى جميع المناطق اللبنانية.

تشغيل الفيديو

"متفرّجة"

برنامج يتفاعل مع القضايا العامة المرتبطة بالمرأة في طرابلس، انطلاقاً من ضيق المساحات التي تمنح للنساء للتعبير عن وجهات نظرهن..

شارك/ي

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin

قصة وفيديو وتصوبر فوتوغرافي: ربيع كرزون
القصة المصوّرة: سارة علوان
وسائط متعددة: فرات شهال الركابي
تصميم: إبراهيم شرارة
تحرير: صباح جلول، رضا حريري
تطوير: جعفر شرارة، روان الحوري ابو النصر
ترجمة إلى الانكليزية: روان المقداد
إشراف: إبرهيم شرارة

منصة إعلامية تهدف إلى تعزيز استخدام مهارات السرد القصصي الرقمي في الانتاج الصحافي. القصص المنشورة في المنصة من انتاج صحافيين/ات وصانعي/ات محتوى شباب من جميع المناطق اللبنانية، تم تدريبهم/ن وتوجيههم/ن من قبل فريق StoryLeb.
يندرج StoryLeb ضمن مشروع Shabab Live وينفذ بالشراكة مع أكاديمية دويتشه فيله (DW Akademie) ومنظّمتي “الجنى” و”الخط”، بتمويل من الاتحاد الأوروبي ودعم من وزارة الخارجية الألمانية.

محرر تنفيذي: إبراهيم شرارة
وسائط متعددة: فرات شهال الركابي
تحرير: رضا حريري، صباح جلول
تطوير تقني: جعفر شرارة، روان الحوري ابو النصر
تصميم: إبراهيم شرارة
الترجمة إلى الإنكليزية: صباح جلول، روان المقداد

اتصل/ي بنا

او تواصل/ي معنا عبر البريد الالكتروني

انضم/ي إلينا

تم إطلاق هذه المنصة بمساعدة مالية من المفوضية الأوروبية في إطار مشروع شباب لايف (Shabab Live)، وهو مشروع مشترك بين “أكاديمية دويتشه فيله” و”مركز الموارد العربي للفنون الشعبية” و”الخط”. محتوى هذه المنصة هو مسؤولية StoryLeb وحده ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره يعكس موقف المفوضية الأوروبية أو شركاء المشروع.

القصص المنشورة في StoryLeb من اختيار صحافيين/ات وصانعي/ات محتوى شباب، شاركوا/ن في الدورة التدريبية الأولى للمشروع.
تم انتاج القصص بمساعدة مالية من المفوضية الأوروبية في إطار مشروع شباب لايف (Shabab Live)، وهو مشروع مشترك بين “أكاديمية دويتشه فيله” و”مركز الموارد العربي للفنون الشعبية” و”الخط”. القصة هي من مسؤولية StoryLeb وحده ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها تعكس موقف المفوضية الأوروبية أو شركاء المشروع.