القطار المفقود

ليلى يمّين

على خطّ بيروت – طرابلس: رحلة في ذكريات ناصيف

على خطّ بيروت – طرابلس:
رحلة في ذكريات ناصيف

الفصل الأوّل: الخطوة الأولى

في العام 1947، تقدّم والد ناصيف بطلب دخول لابنه إلى مصلحة السكّة الحديدية. لم يكن ناصيف مقتنعاً بالقيام بهذه الخطوة، إلّا أنّ أباه العامل في مصلحة سكّة الحديد في طرابلس، أصرّ على أنّ يحاول ابنه العمل هناك. كانت لديه أسباب عدّة، فهو سيضمن من جهةٍ مستقبل ابنه، خاصةً أنّ القطار ومصلحة سكّة الحديد ستفتح العديد من المجالات في البلاد مع الازدهار الّذي ستحققه، ومن جهةٍ أخرى اعتبر أن توريث المهنة لابنه أمرٌ ضروري. على الرّغم من أنّ ناصيف كانت لديه مشاريع أخرى ووظائف أخرى، قبل أن يخوض التجربة على خطّ قطار بيروت – طرابلس.
في أواخر القرن التاسع عشر، وافقت السلطنة العثمانية تحت ضغط المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها على فتح المفاوضات لإنشاء سكّة حديد في بلاد الشام. ضغط الحلفاء باتّجاه البدء بالمشروع الّذي لاقى رواجاً محلياً، خاصة بين التجّار الذين أدركوا الأهميّة الاقتصاديّة لسكّة حديد تربط المدن الكبرى في بلاد الشّام ببعضها البعض. افتتح الخطّ الساحلي (بيروت – الشّام) في العام 1895، وبالتدريح توسّعت السكك حتى وصلت الداخل اللّبناني بالمدن والبلدان المجاورة. أما طرابلس فقد بقيت معزولة وبدأت بالموت اقتصادياً مع موجة النزوح إلى العاصمة بيروت، الّتي بدأت بالازدهار مع وصول سكّة القطار إليها ونموّ مرفأها، ممّا أدى لانفتاحها تجارياً على المناطق المختلفة.
في شهر آذار من العام 1910، صدر عن السلطنة العثمانيّة فرمان بإعطاء امتياز خطّ طرابلس – حمص إلى شركة “ش.ح.ت.” (DHP). بدأ عندها العمل على إنجازه، وفي شهر حزيران من العام التالي بدأ استثماره فعلياً. في تلك الفترة، ظلّت طرابلس معزولةً عن بيروت وعن حيفا حتى العام 1941، عندما اكتملت السكّة. بعد إنجازه استخدم البريطانيون الخطّ لنقل جنودهم من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، وبالتالي انحصر استعماله بالأغراض العسكرية بالإضافة إلى نقل المواشي والبضائع والقمح.
تزامن دخول ناصيف إلى مصلحة سكّة الحديد مع توقّف خطّ الناقورة – حيفا عن العمل على إثر نكبة العام 1948، حين ضرب الإسرائيليون خطّ حيفا. قبل ذلك، عمل ناصيف في أعمال بناء مطار بيروت الدولي، وكان يفضّل البقاء في هذه الوظيفة إلّا أنّ قبوله في مصلحة سكّة الحديد غيّر مساره. دخل إلى المصلحة وهو في عقده الثاني، واضعاً نصب عينيه أن يصير سائق قطار كما كان والده قبله. عمل الأب بدايةً في بلدة رياق البقاعيّة حيث ولد. لاحقاً، ومع نقل مقرّ مصلحة سكّة الحديد إلى طرابلس انتقل مع عائلته للعمل والعيش فيها.
لم يتمكّن ناصيف من أن يقود قطاراً فور انضمامه للمصلحة، إذ كانت وظيفة السائق تتطلّب معرفةً ومهاراتٍ معيّنة. كان عليه أن يبدأ من “مصلحة السواقة” وأن يتدرّج في الوظائف المختلفة حتّى يصل إلى مقعد السائق. شرع بالقيام بأبسط الأعمال وأكثرها روتينية، قبل أن ينتقل إلى مراحل أخرى. ما بدا للآخرين روتيناً يومياً مملاً، بدا بالنسبة له فرصةً لإثبات نفسه وقدراته العمليّة. كان مستودع القاطرات محطته الأولى. هناك كانت تُركن جميع القاطرات بالإضافة إلى القطار نفسه، الذي يسمّيه ناصيف بـ”المكنة”. عمل يومياً، كغيره من العمال، على تجهيز “المكنات” للسفر، إذ كان لكلِّ عامل دورٌ على قاطرة محدّدة، حيث يجب عليه أن يُتمّ تحضيرها للانطلاق خلال ساعتين تقريباً.
كان ناصيف يداوم في الفترة الصباحية، ينجز خلالها المهمات المطلوبة منه. بدءاً من تعبئة المكنات بالمازوت، وتنظيفها من الخارج والداخل منعاً لأن يصدأ الحديد، ثمّ ملْئها بالمياه باستعمال خرطوم موصول بالخزّان الأساسيّ الموجود في المحطّة. بعدها، يضيف الرّمل والفحم ليتمّ إشعاله عند الانطلاق.
آنذاك، كانت الرحلة من طرابلس إلى بيروت تستغرق أكثر من ساعتين، وبالتالي كان على القطارات التي تعمل على البخار أن تتوقّف في عدّة محطات على الخطّ الساحلي، مثل كفرعبيدا وجبيل وجونية، حيث يتمّ تعبئتها بالمياه.
عُرف ناصيف بكونه من العاملين المجدّين، وكان متحمّساً للانتقال من المحطة إلى “ظهر المكنة”، أي للعمل على القطار نفسه. بسبب جديّته واندافعه، انتبه مسؤولو الأقسام لعمله، وهم بحسبه “يملكون نظرةً حول من يستحقّ الصعود والعمل على القطار أثناء الرحلات”. لذلك، وبعد مدّةٍ قصيرة، خطى ناصيف خطوةً إضافيةً في مسيرته نحو تحقيق حلمه.

الفصل الثّاني: على طول الخطّ السّاحلي

في العامّ 1959، صعد ناصيف المرّ على متن القطار لأوّل مرّة، لكنّ حلمه بقيادته لم يتحقّق. بدأ عمله كمساعد سائق، وبقي يعمل في إطار تحضير ومتابعة القطار خلال الرحلات. كان يسهر خلال الرحلات على الحاجات الأساسية للقطار ويتابعها من دون ملل. كان ناصيف يعلم أنّ عمله، وبالرّغم من اقتصاره على تفاصيلٍ تقنيّة بسيطة، سيوصله في النّهاية إلى تحقيق حلمه بالقيادة. عرف أيضاً أنّ مهماته التقنيّة أساسيةٌ وضروريةٌ لسير القطار، ممّا عنى له أنّه بشكلٍ أو بآخر، دخل عالم القيادة.
كانت القطارات في الماضي تعمل على البخار، وبالتالي كانت تتطلّب متابعةً متواصلة من دون توقّف. ليسير القطار بشكلٍ طبيعيّ، وكما يقول ناصيف “لتشدّ المكنة”، تحتاج إلى بخارٍ قويّ طوال الرّحلة. يستوجب ذلك أن تبقى النار مشتعلة لتحرق الفحم، الذي يحتاج بدوره الماء لينتج البخار. بالتّالي كان من الضروري أن يظل خزّان المياه الخاصّ بالقطار ممتلئاً طوال الرّحلة، ممّا يتطلّب التوقّف كلّ فترةٍ على محطّاتٍ سريعةٍ على طول الخطّ الساحلي.
حمل ناصيف لقب الـ”شوفير” لكنّه لم يكن السائق، فمعاني الكلمات تختلف على ظهر القطار. هنا يسهر الشوفير على الحاجات التقنيّة والميكانيكيّة للقطار، أما “الميكانسيان” (أي “الميكانيكي”) فهو الّذي يقوم بالقيادة. عمل ناصيف كشوفير لسنواتٍ في القاطرة الأساسية، جنباً إلى جنب مع الميكانسيان. تعلّم إشعال النّار، وحفظ دورة المياه ودورة المازوت في القطار، فهم كيفيّة عمل البخار وسهر على حرارة المياه لأكثر من عشر سنواتٍ. كان يراقب زميله في القاطرة دائماً ويقول: “على ظهر المكنة ما في مدرسة ولا أستاذ، انت وشطارتك، القديم بدّو يعلّم الجديد”.
كانت حياة القطار على الخطّ الساحليّ هادئة في تلك الفترة و”ماشية متل السّاعة!”، ممّا أتاح لناصيف الوقت والقدرة على اكتساب المهارات والتقنيات المطلوبة. كان ناصيف قد بدأ في هذا العمل الدؤوب قبل صعوده على متن القطار أساساً. أتاح له عمله السّابق فرصة معرفة القطار والمكنة بالإضافة إلى تفاصيله وحاجاته الخارجيّة. ثمّ بدأ بالعمل على متن القاطرات في المستودع أي عند وصولها الى المحطّة بعد الرّحلة وقبل خروجها من المحطّة في الرحلة القادمة. دفع نفسه إلى القيام بهذه الخطوة بدعمٍ من مراقبي عمله السّابق، فكما يقول ناصيف “الشّاطر بيتميّز دغري!”.
راكم ناصيف الخبرة والمعرفة الكافية، بالتدرّج، قبل الانتقال للعمل على ظهر القاطرة الأساسيّة. كانت الرّحلة من طرابلس إلى بيروت تستغرق حوالي الثلاث ساعات، وكانت تحتاج إلى جهدٍ كبير وعمل مستمرّ. يتطلّب التوقّف عند كلّ محطّةٍ قرابة الربع ساعة لإعادة تعبئة خزّان القطار بالمياه، والتأكّد من حسن سير العمليّة التقنيّة. كان القطار يتوقّف في شكّا، عمشيت، جبيل، نهر ابراهيم، المعاملتين، جونيه، نهر الكلب، الدورة وصولاً الى محطّته الأخيرة في بيروت.
في العامّ 1956 أمّمت سكّة الحديد وسميت المحطّة NBT (ناقورا – بيروت – طرابلس)، بعدما كان اسمها HBT (حيفا – بيروت – طرابلس) قبل النكبة. يقول ناصيف أنّ أوّل أسيرين للبنان في فلسطين المحتلّة هما قطاران دخلا حيفا ولم يخرجا منها! في العامّ 1961 أنشأت “مصلحة سكك حديد الدولة اللبنانية والنقل المشترك لبيروت وضواحيها” (CEL). كان الخطّ ينقل مختلف البضائع مثل المواشي والطحين وغيرها، بالإضافة إلى رحلات الركّاب من طرابلس إلى بيروت كلّ ساعتين طوال الليل والنهار. بعد ذلك بوقتٍ قصير، قرّرت الدولة اللبنانية التخفيف من “هدر” طاقتها ومواردها في قطاعٍ ليس له مردودٌ مالي “دسم”. في العام 1964، أوقفت التوظيفات في مصلحة سكّة الحديد، وبقي ناصيف يعمل كمساعد سائق لمدّة 12 عاماً. طال انتظاره، وبدأ يشعر بأنّه يبتعد عن هدفه، لذلك قرّر أن يتحرّك وتقدّم بطلبٍ جديدٍ إلى مصلحة السكك الحديديّة.

الفصل الثالث: الرّخصة

تحتاج قيادة القطار إلى رخصة، مثلها مثل أيّ آلية أخرى. وعلى الراغب بالعمل كـ”ميكانيسيان” أن يمرّ بعدة محطات وأن يجري أكثر من امتحان لكي يحصل على رخصةٍ من الدولة اللّبنانيّة. في العامّ 1971، قرّر ناصيف التقدّم بطلبٍ للحصول على رخصة قيادة القطار، إذ كان قد اكتفى من إثني عشر عاماً من العمل كشوفير.
كان ناصيف على علمٍ تامّ بالخطوات التي يتوجّب عليه القيام بها وكذلك بالإمتحانات الّتي سيخضع لها. كان جاهزاً وواثقاً من أدائه بلا قلق، فالأعوام الاثني عشرة الّتي أمضاها على متن القطار كانت كافية للإحاطة بجميع المعلومات والتفاصيل التي يحتاجها لامتهان مهنة القيادة. لم يكن عليه سوى اجتياز امتحانين: الأوّل خطّي والثّاني عمليّ. كان هناك منافسون آخرون، إذ لم يكن الوحيد في مصلحة السكّة في طرابلس الذي يرغب بقيادة القطار، لكنّ ذلك لم يقلقه. طالت مدّة الانتظار، وعندما سأل ناصيف وزملاؤه عن سبب التأخير، قيل لهم أنّ فريق السائقين مكتمل والمصلحة ليس بحاجةٍ لسائقين جدد، وأنّ عليهم الانتظار.
شعر ناصيف بإحباطٍ كبير، إذ كيف له أن يصل إلى هذا الطريق المسدود بعد كلّ الجهد الذي بذله في تعلّم المهنة طوال هذه السنين؟
تزامن هذا الحدث المحبط في حياة ناصيف مع تراجع مصلحة السكك الحديديّة اللّبنانيّة. بعد قرار الدولة بعدم التوظيف، ضعفت المصلحة بشكلٍ واضحٍ خصوصاً مع عدم تجدّدها وعدم رصد الميزانيات الكافية لها من قبل الدولة. في مطلع العام 1971، صدر قرار بإيقاف المصلحة تماماً! لم يقبل عمّال مصلحة سكّة الحديد بذلك، وبين ليلةٍ وضحاها قرّر سائقو القطارات الاعتراض من خلال الخروج في “مظاهرة قطارات”.
تواصل عددٌ من السائقين واتّفقوا على وقف الرحلات في تلك الليلة، والاكتفاء بتسكير الخطّ بالاستعانة بقطاراتهم. مشت عدّة قاطرات، من عدّة خطوطٍ ومحطّات، لتجتمع في المحطّة الأساسيّة في بيروت احتجاجاُ على القرار.
تراجعت الدولة، لكن هدفها صار واضحاً: إيقاف مصلحة السكك الحديديّة. أوقف الدعم، وتخلّفت الدولة عن تجديد الآليات ومواكبة التطوّر، بالإضافة إلى إهمال صيانة الخطوط والقاطرات. صارت القطارات أبطأ، وتزامن تراجعها مع انفجار حركة السيّارات في لبنان وتطوّر الطرقات، مما أدّى إلى استغناء الكثيرين عن خدماتها. عدا عن ذلك، ظهرت شركةTMA التي بدأت بنقل البضائع بكلفةٍ أقلّ وسرعةٍ أكبر، لتضارب بذلك على مصلحة سكك الحديد.
بعد سنوات، بدا كما لو أنّ الدولة عدلت عن قرارها، إذ قامت قبيل العام 1975، بطلب قاطرات جديدة وحديثة من بولندا..لم تصل هذه الآليات إلّا بعد اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة، فركنت في محطّة الـNBT في سنّ الفيل، حيث ما زالت صامدةً حتّى اليوم.
بعد ثلاثة أشهرٍ على تقديمه طلب الخضوع لامتحان رخصة سواقة القطار، تفاجأ ناصيف بوصول ثلاثة رؤساء من مكتب المصلحة المركزي إلى مكاتب المصلحة في طرابلس. لم يكن يتوقّع أنّ الطّلبات “رح تمشي” في اليوم ذاته. استُدعي ناصيف وستّة عمّالٍ آخرين في المصلحة، وبدأوا مباشرةً بالامتحان الخطّي. دخل المتبارون السبعة إلى قاعةٍ تشبه قاعات الصفوف المدرسيّة، وطُلب من كلّ شخصٍ الجلوس على مقعدٍ، مع ترك مسافةٍ بعيدة عن زميله، وانتظار دورهم. دخل الرؤوساء الثلاثة إلى القاعة يحمل كلّ واحدٍ منهم ظرفاً يحتوي على أسئلة مختلفة. تمنّى ناصيف الحصول على الامتحان الأسهل، فعلى الرغم من جهوزيّته إلّا أنّه فوجئ بأنّ عليه إجراء الامتحان على الفور في ذلك اليوم. وزّعت الأسئلة، وعاد كلّ واحدٍ من المتبارين إلى مقعده ليضع الإجابات. يقول ناصيف: “نحن وحظّنا! عملنا الامتحان وفلّوا من عنّا وما عرفنا النتيجة!”.
بعد فترةٍ قصيرةٍ وصلت النتائج. تمّ قبول ثلاثة أشخاصٍ من السبعة، هم: ناصيف المرّ، إدوارد الحجّ ومحمّد قواري. تحمّس ناصيف كثيراً في تلك اللحظة التي انتظرها لمدّةٍ طويلة. تبقى عليه أن يجتاز الامتحان العملي، ليحوز على وظيفته الجديدة. كانت رحلته الأولى، أو امتحانه العملي، إلى حمص. نجح ناصيف في المهمّة، لتبدأ رحلاته بعدها كـ”ميكانسيان” على خطّ طرابلس – بيروت.
جاء حصوله على الرخصة في وقتٍ تراجعت فيه الدولة اللّبنانيّة عن تنظيم هذا القطاع ومتابعته. آنذاك، حصل عددٌ كبيرٌ من الأشخاص على رخصة قيادة القطار من دون معرفة الحاجة الفعلية لمصلحة السكّك الحديدية. وعلى الرغم من حصوله على الرخصة، إلّا أنّه لم يبدأ بالقيادة فعلاً، إذ كانت الأفضليّة تعود للسائقين القدامى. هكذا، صار ناصيف وزميلاه بدلاء، في حال تغيّب أحد السائقين الأساسيين، يتم التواصل مع أحدهم ليحلّ نيابة عنه. لم يكن ناصيف سعيداً بما آلت إليه الأمور، وخفتت فرحته سريعاً.

الفصل الرابع: بداية النهاية

لم تدم رحلة “الميكانسيان” ناصيف المرّ طويلاً. في العامّ 1973 توقّف عن قيادة القطار وانتقل إلى مرحلةٍ جديدة من حياته المهنيّة في مصلحة سكّة الحديد. لم تدم رحلة القطار طويلاً أيضاً. كانت تلك الفترة بداية النهاية للنقل المشترك في لبنان وللسكك الحديديّة.
قاد ناصيف القطار، بعد اثني عشر عاماً من الانتظار. وبالرّغم من أنّها كانت من المراحل المفضّلة لديه، إلّا أنّها لم تدم سوى عامين. وصل لناصيف خبر بأنّ مركزاً في مكتب مراقبة القطار على الخط في مصلحة طرابلس قد فرغ، فلم يتردد في أخذ الوظيفة الجديدة. كانت هذه الوظيفة ستؤمّن له وضوحاً في المهمات وعملاً فعلياً لا يقتصر على انتظار دوره في القيادة.
خرج المرّ من المستودعات الضخمة ومن حياة القاطرات و”المكنات”. توقّف عن متابعة تفاصيلها التقنيّة والعمليّة، وخرج من السّاحة العمليّة ليصبح مراقباً عن بعد. انتقل إلى مكتبٍ خاصٍ به بعدما أمضى وقتاً طويلاً مع عمّال السكك. لم يزعجه ذلك، بل تحمّس لهذه البداية الجديدة، واعتبرها ترقيّة مستحقّة. مع ذلك شعر ناصيف بإرباكٍ شديد أوّل الأمر، إذ تطلّبت وظيفته الجديدة الكثير من التركيز والدقّة. كان يراقب كلّ القطارات على الخطّ، سرعتها، والمدّة التي تقفها عند كلّ محطة، إضافة إلى مراقبة حركة السير بشكل عام.
يذكر ناصيف بوضوح عدّاد سرعة القطار. كان يجلس يومياً خلف مكتبه، وأمامه العدّاد المصنوع من إبرةٍ رفيعةٍ جدّاً، وشريطٍ أبيض طويل يحتوي على محورين: الأوّل يحدّد السرعة، والثّاني يحدد الوقت. في اللحظة الّتي ينطلق فيها القطار من المحطّة تبدأ الإبرة بالتحرّك بدقّةٍ على الشريط الابيض لترسم الخطوط الّتي تحدّد سرعة القطار. تثبت الإبرة على خطٍّ واحدٍ عند توقّف القطار في كلّ محطة، ممّا يتيح لناصيف معرفة الوقت الّذي توقّف فيه القطار. يمكنه أيضاً أن يرصد الحوادث عند وقوعها، وذلك من خلال التحرّكات الغريبة الّتي تصدر على الشريط الأبيض!
اعتبر ناصيف هذا العمل “شغلة مهمّة”. هو لم يكن مجرّد مراقبٍ للقطار وحسب، بل كان متابعاً لأعمال العمّال في المصلحة بشكلٍ عامّ. كان يجمع ساعات عملهم ويدفع لهم معاشاتهم في آخر الشهر. “كانت مهمّتي الأساسية جمع ساعات عمل كلّ عامل، بالإضافة إلى الأعمال التي قام بها، وكل ما طُلب منه القيام به بشكلٍ إضافيّ.
في العام 1975 اندلعت الحرب الأهليّة اللّبنانيّة، ولعبت دوراً كبيراً في بداية نهاية خطوط السكك الحديديّة في لبنان، وإن لم تكن السبب المباشر خلف توقّف القطار. إذ كانت الدولة قد اتّخذت قراراً بعدم استقدام موظّفين جدد في حالة استقالة أو تقاعد أحد الموظّفين القدامى. أدّى ذلك إلى ترّهل المصلحة وتراجع الصيانة. هكذا تقلّص عدد الموظفين من ألفٍ وثلاثمئةٍ قبل الحرب إلى مئتين فقط عند انتهائها.
في تلك الأثناء، فرغ مركز رئيس المكتب في طرابلس، فانتقل ناصيف مباشرةً الى الوظيفة الأعلى في سلّم وظائف مصلحة السكك الحديديّة. صار رئيساً للمكتب الأساسيّ في طرابلس واستقدم أحد العاملين بالمصلحة ليستلم مركزه السّابق. “بدأ الوضع بالتراجع، كنّا بحاجةٍ لسائقين جدّد لكن باب التوظيفات أقفل، ممّا أدى لتراجع عدد الرحلات”. لم تمنع الحرب الأهليّة استمرار القطار في رحلاتٍ متقطّعة لنقل البضائع والفيول، من دون ركّاب. كان الخوف قد انتشر بين الناس ومنعها من التنقّل بين المناطق.
أمّا المحطّة الأخيرة لناصيف فكانت عمله كرئيس مستودع، المكان الذي بدأت منه رحلته. كان على ناصيف الإلمام بالحاجات الأساسيّة للمستودعات، وخصوصاً التقنيّة منها. كان يتابع نواقص العدّة والبضاعة، وكان عليه شراء “بون” للحصول على البضاعة المخزّنة من قبل المصلحة.
في العامّ 1983 حصلت المعركة التي عرفت باسم “معركة عرفات” في طرابلس، ممّا أضرّ بعمل السكّة وأدى إلى مزيدٍ من التراجع في عدد رحلات القطار التي صارت أكثر تباعداً. سبق ذلك سلسلةٌ من الحوادث التي ضربت السكّة بشكلٍ مباشر، بالإضافة إلى التعدّي على الأملاك العامّة التّابعة لمصلحة السكّة وبيعها “فرط حديد”.
خلال فترة الحرب ظلّ ناصيف يعمل في المكتب، وبقي يداوم حتّى العام 1989، عندما توقّف هو والقطار سوياً عن العمل. لم تكن الفترة الأخيرة من حياته العمليّة سهلةً أبداً. كان هناك خطرٌ دائم بسبب الاشتباكات، لكنّه لم يخف وواظب على الذهاب إلى عمله يومياً، ما عدا في الأيّام التي كان يكثر فيها القصف.. يقول ناصيف أنّ عمله صار مجرد تسجيلٍ للحضور. ومع ذلك استمرّ بالذهاب على الرغم من توقّف القطار.
تدريجياً، انتهى الأمل بعودة القطار إلى ما كان عليه سابقاً. بعد سنتين على تقاعد ناصيف عاد القطار إلى العمل في العام 1991.

الفصل الخامس: قطار السلام

في العامّ 1991، قرّرت الدولة اللبنانيّة إعادة تسيير القطار الّذي عرف حينها باسم “قطار السلام”. في الأوّل من تشرين الاوّل من العام نفسه تمّ إعلان معاودة الرحلات بين الدورة وجونيه، وبدأ العمل الفعلي على الخطّ في السابع من الشهر نفسه. يومها، أعلن وزير الداخلية شوقي الفاخوري عن مخطّطات حكوميّة لإعادة إحياء الخطّ بكامله. استمرّ هذا الخطّ بالعمل لمدّة سنة قبل توقّفه عن نقل الركاب بالكامل. وفي العامّ 1992، تمّ تسيير الخطّ من شكّا إلى بيروت لنقل البضائع، وتحديداً في فترة إعادة إعمار وسط بيروت. لم تطل تلك الفترة أيضاً، إذ سُيّرت آخر رحلة للقطار في العامّ 1994، وكان على متنها خبراء من شركة “سوفراري” الفرنسية وعدد من خبراء مصلحة السكك الحديدية اللّبنانية للاطّلاع على حال الخطّ لوضع دراسات وخططٍ لإعادة إحياءه.
اليوم، يجلس ناصيف المرّ في غرفة جلوسه الصغيرة مرتدياً بذلته. يقع بيته في أحد الأحياء التاريخيّة في الميناء في طرابلس. يرفض ناصيف عرض زيارة محطّة القطار. لا داعي بالنسبة له لزيارة ما تلف والتحسّر على الماضي. عندما خرج من المصلحة في العامّ 1989، بدأ بالعمل كأمين مستودع لشركةٍ في طرابلس، وبقي هناك لأربعة أعوام. لا يذكر عن هذه الوظيفة الكثير، لكن ما يذكره الرجل التسعيني بحرقةٍ هو التعويض المالي الّذي حصل عليه من هذه الشركة مقارنة بتعويضه من مصلحة سكّة الحديد، فيقول: “عطتني الشركة تعويض قدّ تعويض أربعين سنة بالسكّة! خمس ملايين ليرة!”.
توقّف دفع المعاشات كلياً بعد اندلاع الحرب الأهليّة اللّبنانيّة، كما تعرّضت الليرة اللبنانية لنكسات متتالية أفقدتها قيمتها، وأدّت إلى تدهورها بشكل كبير. دفع ذلك إدارة مصلحة سكك الحديد إلى إعطاء تعويضاتٍ بسيطةٍ جدّاً بدلاً من دفع المعاشات القديمة التي لم يعد لها أيّ قيمة. عندما بدأ ناصيف بالعمل في مصلحة الحديد كان يقبض ثلاثاً وتسعين ليرة، وبعد سنتين أضيف إلى معاشه ثلاث ليرات وخمسة وثمانون قرشاً. يقول ناصيف: “هون بلّشت إبكي واتحسّر على الأربعمية ليرة من شغل المطار!”. في سنواته الخمس الأخيرة في المصلحة، وصل معاشه إلى أربعين ألف ليرةٍ لبنانية فقط.
يذكر ناصيف من فترة عمله في المصلحة اليوم الّذي اضطرّ فيه لمواجهة واحدة من أكبر العواصف في تاريخ لبنان. في العام 1967، ضربت البلاد عاصفةٌ ثلجيّةٌ قويّةٌ جداً. خلال تلك الفترة كانت لدى ناصيف رحلة إلى سوريا عند الواحدة والنصف من بعد منتصف الليل. على الرغم من معرفته بسوء الأحوال الجوّية، إلّا أنّه لم يكن يتوقّع ذلك الكمّ من المصاعب والأخطار في الرحلة. في إحدى المحطات، نُسي باب أحد القاطرات مفتوحاً فدفعتها الريح العاتية خارج السكّة. كان الطريق معتماً للغاية منذ لحظة خروجه من المحطة. عند وصوله على جسر برج رأس النهر (أي نهر أبو علي) لاحظ وجود قاطرة على بعد مئة مترٍ منه. حاول ناصيف إيقاف القطار لكنّه فشل ليرتطم بالقاطرة بشكل مباشر. لحسن الحظّ كانت القاطرة خفيفة جداً، فعلقت بالقطار. عندها، عاد إلى المحطّة، حيث تمّ رفعها، ثمّ انطلق مجدّداً وأكمل رحلته. يقول ناصيف: “هيدي الرّحلة بتساوي مية رحلة! لأنّو بوقتها ما كان معي فرامات بالمكنة، لا بالروحة ولا بالرّجعة”.
اليوم، يعيش ناصيف المرّ حياةً هادئةً جداً. يعمل أولاده في الولايات المتحدة الأميركية ويساعدونه مادياً. قرّر البقاء في منزله المتواضع في طرابلس مع ابنته الّتي تعتني بالبيت. يفيق كلّ يوم قرابة الخامسة صباحاً، ويحضّر نفسه ليومٍ هادئٍ آخر. يتأكّد من أنّ كلّ ما تحتاجه ابنته للمنزل وللطبخ موجود، وغالباً ما يضطر لزيارة السوق. عندما ينجز مهامه، يتّجه إلى الكورنيش البحري ويبقى على الشاطئ لمدّة ساعتين. يجلس على أحد المقاعد، يسترخي ويتأمّل البحر. يعود إلى المنزل في العاشرة صباحاً. يقول ضاحكاً: “أحضّر كأس ويسكي. نعم، في العاشرة صباحاً..”. يمرّر الوقت بانتظار موعد الغداء. يلي ذلك قيلولة، ثمّ زيارةٌ ثانيةٌ للبحر، قبل أن يعود للمنزل ويستلقي على الكنبة لمشاهدة التلفاز. يقول: “المهمّ أنّه وقتي مقسوم وما في مجال للضجر!”. يصمت قليلاً قبل أن يضيف: “ماتت سكّة الحديد ونحنا متنا معها”.

الزمن المتوقف.. من بيروت إلى دمشق

مع تدهور الامبرطوريّة العثمانيّة ودخول الحلفاء إلى المنطقة بدأ الحديث جدياً عن إنشاء خطّ حديديّ يربط لبنان بمحيطه. عام 1856 حصلت مجموعة من المستثمرين الإنكليز على الامتياز الأوّل لخطّة سكّة حديد، وفي العامّ نفسه حصل الفرنسي الكونت إدموند دي بيرثوي، ضابط بحري سابق، من الباب العالي على امتياز لبناء وتشغيل طريق آلي بين مرفأ بيروت ومدينة دمشق، وهو المركز التجاري الأكثر أهمّية في المنطقة. في ذلك الوقت، كان يتم نقل البضائع بواسطة البغال، وكانت الرحلة من عاصمةٍ إلى أخرى تستغرق من ثلاثة إلى أربعة أيام. غيّر هذا الترتيب حياة سكان بيروت ، حيث ساهم إلى حد كبير في نمو التجارة مع المدن الأخرى.
رداً على مشروع سكة ​​حديد دمشق – يافا البريطاني، الذي هدد بتحويل حركة الشحن من ميناء بيروت إلى ميناء يافا في فلسطين (تحت التأثير البريطاني)، سارع الفرنسيون إلى المباشرة بمشروع سكة ​​حديد بيروت – دمشق. تم إدخال نظام السكك الحديدية للقطارات في عام 1891 وافتتح المسار الأول في عام 1895، وكانت الرحلة البالغة 147 كلم من بيروت إلى دمشق تستغرق 9 ساعات ، مروراً بـ 15 محطة في لبنان مثل بعبدا وعاليه وبحمدون وصوفر وضهر البيدر قبل النزول إلى البقاع باتجاه الحدود السورية.
يبدأ الخطّ الداخلي من مرفأ بيروت، ثمّ يمرّ بمحطّة مار مخايل – الكرنتينا ويكمل طريقه إلى الداخل، مروراً بعدّة محطّات، وصولاً إلى رياق. جميع محطّات الخطّ الداخليّ متطابقة في عمارتها وتقسيمها، إلّا أنّ مصيرها النهائي اختلف حسب موقعها خلال الحرب الأهليّة الّتي اندلعت عام 1975. تعتبر هذه المباني اليوم نادرة جداً ويمكن تصنيفها بالتراثيّة، كما أنّها قابلة للترميم بالرّغم من سوء حالها. وفي الواقع، فإن مباني محطّات الخطّ الداخلي في لبنان، بالإضافة إلى المحطّات الرئيسيّة – كرياق، طرابلس، بيروت – هي مشابهة تماماً لمحطّات ثانويّة موجودة اليوم فقط في جنوب فرنسا.

محطّة الجمهور، تحوّلت اليوم إلى منزل خاصّ بأحد العاملين السّابقين بسكّة الحديد وعائلته.

محطّة عاريا الواقعة بين بلدتي عاريا وشويت. موقعها الجغرافيّ سمح بعدم الوصول إليها بسهولةٍ فبقيت على حالها، تتآكلها الأعشاب والأشجار.

محطّة عاليه تمّ ترميمها واستخدامها من قبل مصلحة النقل العامّ والجزء الّذي يحتوي على خزّان المياه تحوّل إلى مطعمٍ.

محطّة بحمدون مدمّرة بشكلٍ شبه كلّي بفعل الحرب، وما زال أثر الطلقات الناريّة واضحاً على الحائط المواجه للطريق الأساسيّة للبلدة.

محطّة صوفر بقيت على حالها، استخدمت لفترةٍ طويلة كمركزٍ لتصليح السيّارات. تواجه مباشرةً هوتيل صوفر التاريخيّ حيث كان مرور القطار بهذه المنطقة الدّافع الأساسيّ لبنائه.

معالم محطّة ضهر البيدر تغيّرت بشكلٍ جذريّ بسبب موقعها الاستراتيجيّ الّذي استخدم خلال الحرب الأهليّة.

تقع محطّة جديتا بين البيوت في البلدة بلا أثرٍ واضح للسكّة الحديديّة.

في سعدنايل، تمّ تحويل المحطّة إلى معلمٍ “سياحيّ” وتمّ ترميمها من قبل البلديّة، بالإضافة إلى عرض أحد القطارات بجانبها.

كانت محطّة رياق تعتبر المحطّة الأكبر في الشرق، تبلغ مساحتها 170 ألف متر مربع، وتتألف من 70 مبنى، منها ما هو تابع للمحطة التشغيلة، وأخرى بنيت كمعامل مختصة بتصليح قطع المقطورات على اختلاف أنواعها، وأخرى مختصة في تصنيع القطارات.

محطّة الجمهور: الحياة على السكّة

رسّام السكك من حلب إلى رياق

شارك/ي

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin

قصة: ليلى يمّين
تصوير ومونتاج: علي شيران
تصوير فوتوغرافي: ديمتري نصّار
تسجيل صوت: إيليا حدّاد
وسائط متعددة: فرات شهال الركابي
تصميم: إبراهيم شرارة
تحرير: صباح جلول، رضا حريري
تطوير: جعفر شرارة، روان الحوري ابو النصر
ترجمة إلى الانكليزية: صباح جلول
إشراف: إبراهيم شرارة

منصة إعلامية تهدف إلى تعزيز استخدام مهارات السرد القصصي الرقمي في الانتاج الصحافي. القصص المنشورة في المنصة من انتاج صحافيين/ات وصانعي/ات محتوى شباب من جميع المناطق اللبنانية، تم تدريبهم/ن وتوجيههم/ن من قبل فريق StoryLeb.
يندرج StoryLeb ضمن مشروع Shabab Live وينفذ بالشراكة مع أكاديمية دويتشه فيله (DW Akademie) ومنظّمتي “الجنى” و”الخط”، بتمويل من الاتحاد الأوروبي ودعم من وزارة الخارجية الألمانية.

محرر تنفيذي: إبراهيم شرارة
وسائط متعددة: فرات شهال الركابي
تحرير: رضا حريري، صباح جلول
تطوير تقني: جعفر شرارة، روان الحوري ابو النصر
تصميم: إبراهيم شرارة
الترجمة إلى الإنكليزية: صباح جلول، روان المقداد

اتصل/ي بنا

او تواصل/ي معنا عبر البريد الالكتروني

انضم/ي إلينا

تم إطلاق هذه المنصة بمساعدة مالية من المفوضية الأوروبية في إطار مشروع شباب لايف (Shabab Live)، وهو مشروع مشترك بين “أكاديمية دويتشه فيله” و”مركز الموارد العربي للفنون الشعبية” و”الخط”. محتوى هذه المنصة هو مسؤولية StoryLeb وحده ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره يعكس موقف المفوضية الأوروبية أو شركاء المشروع.

القصص المنشورة في StoryLeb من اختيار صحافيين/ات وصانعي/ات محتوى شباب، شاركوا/ن في الدورة التدريبية الأولى للمشروع.
تم انتاج القصص بمساعدة مالية من المفوضية الأوروبية في إطار مشروع شباب لايف (Shabab Live)، وهو مشروع مشترك بين “أكاديمية دويتشه فيله” و”مركز الموارد العربي للفنون الشعبية” و”الخط”. القصة هي من مسؤولية StoryLeb وحده ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها تعكس موقف المفوضية الأوروبية أو شركاء المشروع.